فسخ النكاح لإعسار الزوج(1) أو غيبته(2-3)

 

 

-    مسألة : وإن تزوجت بفقير مع العلم بحاله ثم أعسر بالنفقة فلها أن تفسخ، لأن حق الفسخ يتجدد بالإعسار بتجدد النفقة.

واستدلوا بما يلي :

-    قوله تعالى (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) فخيَّر الله الزوج بين الإمساك بالمعروف، وهو أن يمسكها وينفق عليها، وبين التسريح بإحسان. فإذا تعذر عليه الإمساك بمعروف تعيَّن عليه التسريح .

-     عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم  (أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول). تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: اطعمني إلى أن تدعني. فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا هذا من كيس أبي هريرة(2) 

وأجيب بأنه اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه وفهمه ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا تورع أبي هريرة عن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم  .

-    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته (يفرق بينهما) (3)

وأجيب بأن الصواب وقفه على أبي هريرة ؛ إذ لو كان مرفوعأَ لما نسب القول بالتفريق بين الزوجين إذا عجز الزوج عن النفقة إلى كيسه كما سبق عند البخاري .

-   وعن  ابن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا  عن نسائهم: ( فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا  بعثوا بنفقة ما حبسوا )(4).

ويُجاب عنه بأن عمر رضي الله عنه خيّر الرجال بين الإنفاق والطلاق، ولم يخيّر الزوجات، وليس فيه أنهم كانوا معسرين.

-     وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن  المسيب في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: ' يفرق بينهما '(5)، وعن  أبي الزناد، قال: سألت سعيد بن المسيب ، عن الرجل لا يجد ما ينفقه  على امرأته قال: ' يفرق بينهما ' قال أبو الزناد: قلت : سُنّة ؟ فقال  سعيد: ' سنة '(6) 

قال الشافعي: ' والذي يشبه قول سعيد : سنة ، أن يكون  سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم(7) 

الراجح والله أعلم : إذا تأملت أصولَ الشريعة وقواعدَها، وما اشتملت عليه من المصالح ودرء المفاسد، ودفعِ أعلى المفسدتين باحتمالِ أدناهما، وتفويتِ أدنى المصلحتين لتحصل أعلاهما، تبَين لكَ بأن القولُ الراجحُ بأن الرجل إذا عجز عن النفقة على الزوجة ولحقها الضرر ولم يكن لها مال تنفق منه على نفسها ، ولم يمكنها العمل لتنفق منه على نفسها ، فعندئذ رفعاً للضرر عن المرأة نقول لها حق الفسخ . والله أعلم .

الخلاصـــــة:

الذي تقتضيه أصولُ الشريعة وقواعدها في هذه المسألة أن الرجل إذا غرَّ المرأة بأنه ذو مال، فتزوجته على ذلك، فظهر مُعْدماً لا شيء له، أو كان ذا مالٍ، وترك الإِنفاق على امرأته، ولم تَقدرْ على أخذ كفايتها من ماله بنفسها، ولا بالحاكم أن لها الفَسخ، وإن تزوجته عالمةً بعُسرته، أو كان موسِراً، ثم أصابته جائحةٌ اجتاحت مالَه، فلا فسخَ لها في ذلك، ولم تزل الناس تصيبهم الفاقة بعد اليسار، ولم ترفعهم أزواجُهم إلى الحكام ليفرقوا بينهم وبينهن، وبالله التوفيق 


(1) انظر : العناية شرح الهداية 6/211 ، الفواكه الدواني 3/1077،  الأم 5/88 و91، المجموع شرح المهذب 18/267 وما بعدها ، إعانة الطالبين 4/93 ، حاشية الروض المربع 7/125 ، مجموع الفتاوى 30/57 ، زاد المعاد 5/511 وما بعدها ، الفقه على المذاهب الأربعة 4/86 .

(2) أخرجه البخاري باب وجوب النفقة على الأهل والعيال ح5040-5/2048 .

(3) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى ح2909 .

(4) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى ح2914 6/533-538 .

(5) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى ح2908

(6) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى ح2906

(7) نقله عنه البيهقي في السنن الصغرى ح2907

 



بحث عن بحث