طــــلاق الغاضب (10-12)

 

مسألــة طلاق الغاضب(1) :

 

قسّم بعض العلماء الغضب إلى ثلاثة أقسام :

 

الأول : أن يكون الغضب في أول أمره فلا يُغير عقل الغضبان بحيث يقصد ما يقوله ويعلمه ، فالغضبان بهذا المعنى يقع طلاقه وتنفذ عباراته باتفاق .

الثاني : أن يكون الغضب في نهايته بحيث يغيّر عقل صاحبه ويجعله كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى لا يقع طلاقه لأنه هو والمجنون سواء .

 

الثالث : أن يكون الغضب وسطاً بين الحالتين بأن يشتدّ بصاحبه ولا يبلغ به زوال عقله بل يمنعه من التثبت والتروي ويخرجه عن حال اعتداله ، ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه ، وهذا القسم وقع فيه الخلاف بين العلماء على قولين هما :

 

القول الأول: قول الجمهور(1)وهو أن طلاق الغضبان يقع ، ولو لم نقُل به لم يقع على أحد طلاق لأنه لا يطلق أحدٌ حتى يغضب .

القول الثاني: أحد القولين من مذهب أحمد ، ورأي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن طلاق الغضبان لا يقع لأن الغضبان لا قصد له ، وقياساً على طلاق المكره فإنه لا يقع ، وعلى لغو اليمين فإنه لا ينعقد ، قال الله تعالى (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيم)(2)

وحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول (لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي غَلاَقٍ)((3)) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْغِلاَقُ أَظُنُّهُ في الْغَضَبِ. وكذا فسّره الشافعي والقاضي إسماعيل وأحمد ومن قبلهم مسروق (44

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وحقيقةُ الإغلاق: أن يُغلق على الرجل قلبُه، فلا يقصِدُ الكلام، أو لا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصدُه وإرادتُه(5)

وهو من أحسن التفسير ؛ لأن الغضبان غلق عليه باب القصد بشدة غضبه وهو كالمكره بل الغضبان أولى بالإغلاق من المكره لأن المكره قد قصد رفع الشر الكثير بالشر القليل الذي هو دونه فهو قاصد حقيقة ومن هنا أوقع عليه الطلاق من أوقعه .

وقال الطحاوي :أن الإغلاق هو الإطباق على الشيء ، فاحتمل بذلك عندنا أن يكون في هذا الحديث أريد به الإجبار الذي يغلق على المعتق وعلى المطلق حتى يكون منه العتاق والطلاق على غير اختيار منه لهما (6)

لكن قال أبو بكر: سألت أبا محمد وابن دريد وأبا عبد الله وأبا طاهر النحويين عن قوله لا طلاق ولا عتاق في إغلاق قالوا : يريد الإكراه لأنه إذا أُكره انغلق عليه رأيه .

وكذا فسّره علماء الغريب بالإكراه كابن الجوزي (7) وابن الأثير (8)وغيرهم .

وعلى كل حال إما تكون دلالة الحديث عند أصحاب هذا القول على عدم وقوع طلاق الغاضب مباشرة أو بالقياس على المكره .

الراجح والله أعلم :

وقوع طلاق الغاضب الذي لا يبلغ به الغضب زوال عقله بل يمنعه من التثبت والتروي ؛ لأن الطلاق لا يقع غالباً إلا في هذا الحال ، وقياساً على الهازل الذي يقصد اللفظ ولا يرض به ويقع طلاقه ، والغاضب أولى .

 


(1) انظر : إعانة الطالبين 4/5 ، حاشية الروض المربع 6/490 ، الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/3 .

(2) سورة البقرة آية 225 .

(3) أخرجه أبو داود باب الطلاق على غيظ ح2195-2/224 وقال الألباني : حسن ، وابن ماجه باب طلاق المكره والناسي ح2046-1/660 ،  قال الألباني:حسن ، والدارقطني في سننه ك الطلاق ح98-4/36 ،  وأخرجه أحمد ح26405-6/276 ، وأبو يعلى في مسنده ح4444-7/421 ، والحاكم ك الطلاق ح2802-2/216 وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ،قال الذهبي: ومحمد بن عبيد لم يحتج به مسلم وقال أبو حاتم ضعيف .

(4) انظر عون المعبود 6/187 . زاد المعاد 5/214 ، إعلام الموقعين 3/52،53 .

(5)نقله عنه تلميذه ابن القيم في زاد المعاد 5/215 .

(6)مشكل الآثار 2/151 .

(7)غريب الحديث 2/161 .

(8)النهاية في غريب الحديث 3/716 .

 

 



بحث عن بحث