منهج الإسلام في تفادي المشكلات الزوجية وحلها  ( 5 - 6 ) 

خامساً/ الحث على الصبر على الزوجة واحتمال الأذى منها :

قال الغزالي رحمه الله : [ واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها ، والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوماً إلى الليل وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه في الكلام فقال : أتراجعيني يا لكعاء! فقالت : إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك](1)(2).

وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة « إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَىَّ غَضْبَى ». قَالَتْ فَقُلْتُ وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ « أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ». قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ(3).

وينبغي كذلك للزوج أن يتغاضى عما يراه من خطإ يبدر من زوجه ولا يتعقب الأمور صغيرها وكبيرها ما لم يكن في حق من حقوق الله تعالى ؛ فالخطأ من سمات البشر لا يسلم منه أحد .

وذلك ما يرشدنا إليه قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير )(4).

قال العلامة السعدي رحمه الله :[ قوله: { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } قال كثير من المفسرين: هي حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أسرَّ لها النبي صلى الله عليه وسلم  حديثًا، وأمر أن لا تخبر به أحدًا، فحدَّثت به عائشة رضي الله عنهما، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته، فعرَّفها صلى الله عليه وسلم ببعض ما قالت، وأعرض عن بعضه، كرمًا منه صلى الله عليه وسلم ، وحلمًا](5).

 وأخيراً ...

ذكر ابن العربي بسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن حيث قال : كان الشيخ أبو محمد بن أبي زيد من العلم والدين في المنزلة والمعرفة، وكانت له زوجة سيئة العشرة وكانت تقصر في حقوقه وتؤذيه بلسانها ؛ فيقال له في أمرها ويُعذَل بالصبر عليها ، فكان يقول : أنا رجل قد أكمل الله علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني ، فلعلها بعثت عقوبة على ذنبي فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشد منها(6).


 


(1) أخرجه مسلم في حديث طويل باب في الإيلاء واعتزال النساء ح3768-4/192 [قَالَ كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ - قَالَ - وَكَانَ مَنْزِلِى فِى بَنِى أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَوَالِى فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِى فَإِذَا هِىَ تُرَاجِعُنِى فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِى. فَقَالَتْ مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ نَعَمْ. فَقُلْتُ أَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ قَالَتْ نَعَمْ. قُلْتُ قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هِىَ قَدْ هَلَكَتْ لاَ تُرَاجِعِى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَسْأَلِيهِ شَيْئًا وَسَلِينِى مَا بَدَا لَكِ وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِىَ أَوْسَمَ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  مِنْكِ - يُرِيدُ عَائِشَةَ -]

(2) إحياء علوم الدين 4/72 .

(3) أخرجه البخاري باب غيرة النساء ووجدهن ح4930-5/2004 ، ومسلم باب في فضل عائشة ح6438-7/134 .

(4) سورة التحريم آية 3 .

(5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص872 .

(6) الجامع في أحكام القرآن 5/98 .



بحث عن بحث