حكم تولي شخص واحد طرفي العقد (الإيجاب والقبول) (1-2)

 

 

وله صورتان/ الصورة الأولى:

 

أن يكون الزوج أصيلاً من جهة نفسه في العقد، وولياً من جانب الزوجة ، كابن العم إذا كان ولياً للمرأة، وأراد تزوجها ، فهل يصح توليه لطرفي العقد؟

اختلف العلماء على قولين :

 

القول الأول: قول الحنفية-غير زفر- والمالكية في المشهور، والحنابلة في رواية ، أن ولي المرأة الذي يحل له نكاحها إذا أذنت له أن يتزوجها ، له أن يتولى طرفي العقد بنفسه ، واستدلوا بما يلي :

قول الله تعالى { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ }(1).

 

عن عائشة قالت: هو الرجل تكون عنده اليتيمة، هو وليها ووارثها قد شَرِكته في ماله، حتى في العَذْق، فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يزوِّجها رجلا فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها، فنزلت هذه الآية(2).

 

ووجه الاستدلال بالآْيَة الكريمَة أَن قوله تعالى { لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } خَرَجَ مَخْرَجَ الْعِتَابِ، فيدل على أَنَّ الولِي يَقُومُ بِنِكاحِ وَلِيَّتِهِ وَحْدَهُ ،إِذْ لَوْ لَمْ يَقُمْ وَحْدَهُ بِهِ لم يكن للعِتَابِ معنى لمَا فِيه مِنْ إِلْحَاقِ الْعِتَابِ بِأَمْرٍ لاَ يَتَحَقَّقُ .

 

وقوله تعالى { وَأَنْكِحُوا الأَْيَامَى مِنْكُمْ }(3)، هذا أمر بالتزويج من غير فَصْلٍ بَيْنَ الإِْنْكَاحِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ .

 

وَلَمَّا وَرَدَ " أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَال لأُِمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ : أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَقَال : قَدْ تَزَوَّجْتُكِ "(4) فكان بذلك عقداً .

ولأنه يملك الإيجاب والقبول، فجاز أن يتولاهما كما لو زوّج  أمته عبده الصغير .

ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب من ولي ثابت الولاية ، والقبول من زوج هو أهل للقبول، فصحّ كما لو وجدا من رجلين(5) .

 

القول الثاني: قول زفر من الحنفية، والشافيعة ، ورواية عند الحنابلة، أنه لا يجوز للولي الذي يريد الزواج من موليته أن يتولى طرفي العقد ، ولكن يُوكل غيره ليُزوِّجه إيَّاها بإذنها، لِحَدِيثِ " أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا فَأَمَرَ رَجُلاً فَزَوَّجَهُ(6).

وَلأَِنَّهُ عَقْدٌ مَلَكَهُ بِالإِْذْنِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ(7) .

 

الراجح القول الأول ؛ لفعل الصحابة - رضي الله عنهم- بلا خلاف، ولا تعارض بين فعل المغيرة وعبد الرحمن، وغايته أن كلا الأمرين جائز؛ ولأن هذه امرأة، ولها ولي حاضر غير عاضل، فلم يلها غيره، كما لو أراد أن يزوجها غيره . والله تعالى أعلم .

 


 


(1) - سورة النساء آية 176 .

(2) - تفسير القرآن العظيم 2/424 .

(3) - سورة النور آية 32 .

(4) - أخرجه البخاري معلقا ( فتح الباري 9 / 188 - ط السلفية )، ووصله ابن سعد في الطبقات،كما في التغليق لابن حجر ( 4 / 416 - ط المكتب الإسلامي ) .

(5) - البحر الرائق 3/146 ، بدائع الصنائع 2/231 ، ومغني المحتاج 3 / 163 ، والمغني 7 / 360  ، وكشاف القناع 5 / 62 . المبدع شرح المقنع 7/39 ، الموسوعة الفقهية الكويتية 41/244  

(6) - أخرجه البخاري معلقا ( فتح الباري 9 / 188 - ط السلفية ) ، ووصله البيهقي في الخلافيات، كما في التغليق لابن حجر ( 4 / 416 ) .

(7) - بدائع الصنائع 2 / 231 ، تبيين الحقائق 2/132 ، والحطاب 3 / 439 ، ومغني المحتاج 3 / 163 ، والمغني 7 / 360 . المبدع شرح المقنع 7/39 .

 

 

 

 



بحث عن بحث