الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله الطيبين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

فقد تابعنا بأسى وحزن بالغ ما أقدمت علية الفئة الضالة من أعمال وتدابير عدوانية تستهدف عقيدة وأمن هذا البلد المبارك - المملكة العربية السعودية - وأهلها، واستقرارها، ومقدراتها، فكانوا أدوات طيعة في أيدي أعداء الدين والوطن. حيث أفاد البيان الصادر من مصدر مسؤول في وزارة الداخلية. وإني من باب المشاركة في النصيحة والتواصي بالحق، وإبراءً للذمة، ونصحاً للأمة، وإشفاقاً على أبناء المسلمين من أن يكونوا أداة فساد وتخريب، وأتباعاً لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة أؤكد على ما يأتي:

أولاً: أن ما تقوم به هذه الفئة الضالة من عمل إجرامي آثم لا يمكن أن يقدم عليه مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر يعتقد حرمة التعدي على الدماء المعصومة والأموال المحترمة، وقد قال الله تعالى {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}، وقوله }وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)، وقوله (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه). وروى البخاري في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً). وقال أيضاً (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) رواه النسائي والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، وروى البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله)، ونظر - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة وقال (ما أطيبك وما أطيب ريحك، وما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم منك)، وروى الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار).

إن الإقدام على هذه الجرائم النكراء والتخطيط لها لا يكون إلا من شخص تأصل الشر في نفسه، والعدوان في طبعه، واستولت عليه الغفلة، وانتزعت من قلبه الرحمة، وانعدم ضميره وتخلى عن دينه وقيمه ومثله، فأشبه بالحيوانات الضارية والوحوش المفترسة.

ثانياً: إن ما كشف عنه البيان من مخازن للأسلحة، ومتفجرات خطيرة معدة للقيام بأعمال تخريبية، وتدمير منشآت اقتصادية، واستهداف مصالح للأمة، ونشر للفوضى في هذه البلاد الطاهرة التي هي قاعدة الإسلام وحصن الإيمان، وفيها حرم الله وقبلة المسلمين، ومسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤكد ضرورة التكاتف بين المؤمنين والمقيمين والمسلمين جميعاً لكشف عوار هذه الفئة الضالة، وعدم التساهل معها حفظاً لمصالح الأمة وممتلكاتها الخاصة والعامة، وأرواحها البريئة ودفعاً لشرورهم ومن يقف خلفهم.

 ثالثاً: إن هذه البلاد - المملكة العربية السعودية - قبل أن يوحدها الإمام المصلح الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه واسكنه فسيح جناته - كانت في حالة من الفوضى السياسية والتشتت والتناحر والفقر والفاقة والانفلات الأمني مما هو معلوم عند الجميع، حيث عاش الناس فيها غير آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم حتى شاء الله تعالى أن تتوحد على يد الملك المؤسس عبد العزيز، فأصبحت واحة للآمنين ومضرب مثل في الاستقرار والتطور واستمر أبناؤه البررة على هذا الأمر بفضل الله تعالى ثم بفضل تحكيمهم لشريعة الله تعالى في أرضه وبين عباده، وهذه النعمة التي نعيشها ونشاهدها واقعاً ليست خاصة بفرد دون فرد، بل هي نعمة للجميع، ومن واجب شكرها أن يسارع الجميع إلى أن يكونوا رجال أمن في بلادهم، ولا يتوانوا عن الإبلاغ عن مثل هؤلاء، فالبلد مستهدف، ويواجه حملات ظالمة وإشاعة مغرضة تهدف إلى تشويه الإسلام وتفتيت وحدته وتكدير أمنه، وإضعاف لحمة مجتمعه، والواجب على الجميع التعاون لحفظ كيان هذا البلد واستقراره، قال تعالى {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}

رابعاً: أن دين الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، بريء من الانحراف وأهله، سواء منهم من جنح إلى التفريط والتقصير، أو إلى الإفراط والغلو، قال - صلى الله عليه وسلم -: ( إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)، وإن المستقرئ للتاريخ يدرك أن ما حصل من انحرافات عقدية أو عملية من بعض الأفراد أو الطوائف منذ العصور الأولى إلى وقتنا ولا سيما ما حصل من الخوارج ومن تأثر بهم كان بسبب الغلو في الدين، والتجاوز لحدوده، وعدم فهم النصوص الشرعية على الوجه الصحيح الذي فهمه سلف هذه الأمة، وجهلهم بموطن الاستدلال وتحريفهم الكلم عن مواضعه، وإنزالهم النصوص على غير ما تدل عليه، ولقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخوارج بكثرة العبادة والمبالغة في الطاعة إلا أن هذا لم يكن دليلاً على صحة منهجهم وسلامة معتقدهم، بل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم درءاً لضررهم عن الأمة، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة).

وقال أيضاً: (يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتهم فاقتلهم، فإن في قتلهم أجراً). والمراد من قوله (يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) أي أنه ليس لهم فيه حظ إلا مروره على ألسنتهم فلا يصل إلى حلوقهم فضلاً من أن يصل إلى قلوبهم. فالغلو في الديانة أوردهم المهالك وأوقعهم في الردى وألحق بالأمة أضراراً عظمى أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في وصفهم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) رواه مسلم في صحيحه.

والواجب على شباب المسلمين الحذر من الأفكار المنحرفة والاتجاهات المشبوهة، وإن تظاهر أهلها بمظهر النصح وإرادة الخير، فالخير في اتباع ما كان عليه السلف الصالح في الاعتقاد والعمل.

خامساً: إن وقوع هذه الأحداث وغيرها يؤكد وجوب اجتماع كلمة المسلمين والاعتصام بحبل الله تعالى، فإن الله تعالى أمر بالاجتماع، ونهى عن التفرق والتحزب، فقال (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقال (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) وقال (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) ومن الاعتصام بحبل الله لزوم جماعة المسلمين وطاعة ولي الأمر، فالسمع والطاعة لولي الأمر من المسلمين في غير معصية أصل من أصول أهل السنة والجماعة، وقد عده الأئمة من أصول العقائد، وقد تواترت النصوص الشرعية القطعية من الكتاب والسنة على ضرورة طاعة ولاة الأمر في المعروف ولزومها قال تعالى (ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك) رواه مسلم، وعنه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقط أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني ) متفق عليه. فالتمرد على ولي الأمر معصية لله ومخالفة لأمره، وتمزيق لوحدة الأمة، وتهديد لأمنها وكيانها، واقتصادها، وسبب للخوف والقلق لأفراد المجتمع، وتشجيع لارتكاب الجرائم بشتى أنواعها. سادساً: وأن ما أقدم عليه هؤلاء وغيرهم يكشف للمسلمين جميعاً سوء نيتهم، وأن ما يدعونه من أنهم يريدون نصر الدين والدفاع عن مصالح المسلمين إنما هو قناع كانوا يستترون خلفه لتحقيق مآربهم ومقاصدهم السيئة وتبين للجميع أن هذه الفئة بأفعالها لا تريد للدين نصرة، ولا للإسلام رفعة، بل تريد زعزعة الأمن والاستقرار، وترويع الآمنين وتخريب المنشآت العامة والخاصة، وتسليط الأعداء على بلاد المسلمين، وليكن ما يحدث في بعض البلدان عبرة وعظة.

وإني أحذر إخواني المواطنين والمقيمين في هذه البلاد من التستر على هؤلاء أو إيوائهم، فإن هذا من كبائر الذنوب، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (لعن الله من آوى محدثاً) متفق عليه، والمراد بالمحدث: من يأتي بالفساد في الأرض، وإذا كان هذا الوعيد فيمن آواهم فكيف بمن أعانهم أو أيد فعلهم أو فرح بذلك فإن أثمه أعظم وأشد، فالواجب على الجميع أن يستشعروا المسؤولية وأن يكونوا يقظين لأفعال هذه الفئة الضالة وأن من عرف عنهم شيئاً أو علم أماكنهم أو مخططاتهم ألا يتردد في إبلاغ الجهات المختصة حقناً لدماء المسلمين وحماية لدينهم وأموالهم وحفظاً لمصالح البلاد والعباد.

سابعاً: ان من أوجب الواجبات على العلماء وطلاب العلم والآباء والأمهات والمدرسين والموجهين والوعاظ والمرشدين والمثقفين والمفكرين التنبيه على خطر هؤلاء وسوء صنيعهم، وتوجيه الشباب وإرشادهم إلى المنهج الصحيح منهج أهل السنة والجماعة، والتحذير من الدعوات المضللة والأفكار المنحرفة، والمؤامرات الماكرة التي تحاك لبلاد المسلمين، والرجوع إلى الأمراء والعلماء وأهل الاختصاص فيما يشكل عليهم أو يثار عليهم أو يقع من الأمور المهمة والقضايا العامة، قال تعالى {وَإِذَا جَاءهُمْ أمر مِّنَ الأمن أو الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}

ثامناً: إن ما يصيب المسلمين في عصرنا الحاضر من تسلط لقوى البغي، وما يحصل من عدوان على الإسلام وأهله، واحتلال لبعض بلدانهم، وإزهاق أرواحهم واستباحة حرماتهم لا يكون مبرراً بأية حال للتفجير والتكفير والخروج على ولاة الأمر وجماعة المسلمين، كما أن خروج بعض الشباب إلى بعض البلدان لدعوى الجهاد يعد خروجاً على ولي الأمر، وفرصة لأعداء هذه البلاد الطاهرة لاستغلال حماس هؤلاء الشباب وعاطفتهم الجياشة وغيرتهم الإسلامية لإحراج قادة هذه البلاد وشعبها، وإلحاق الضرر والعنت بها، فالذهاب إلى تلك البلدان بدون إذن ولي الأمر مخالف للشريعة، ومفاسده كثيرة وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به) أخرجه الشيخان.

تاسعاً : أنصح إخواني المسلمين بأداء الزكاة والصدقات والتبرعات وصرفها لمستحقيها، والالتزام بما صدر من الجهات المختصة من قواعد منظمة لصرف هذه الأموال حتى يحصل الاطمئنان بعدم وصول هذه الأموال إلى أيدي هؤلاء المجرمين.

وفي الختام أشكر الله تعالى على ما منّ به على هذه البلاد ومن كشف لهذا المخطط الخبيث، ثم أتوجه بالشكر لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو وزير الداخلية ونائبه وسمو مساعده وسائر القيادات الأمنية على هذه الجهود المخلصة في تتبع هؤلاء وفضح مخططاتهم والقضاء عليها قبل وقوعها. كما اني أشد على يد رجال أمننا البواسل على ما قاموا به من جهد جبار وعمل عظيم في مطاردة هؤلاء وتعقبهم، فهم على ثغر عظيم وجهاد في سبيل الله ورباط لحماية بلاد الحرمين الشريفين، وحفظ مصالح الأمة وأملاكها العامة والخاصة.

بارك الله في الجهد وسدد الخطا، وحفظ بلادنا من الفتن والشرور، وأسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يحفظ بلادنا من كيد الكائدين ومكر المعتدين، وأعمال المخربين الفاسدين وأن يرد كيدهم في نحورهم، ويجعل تدبيرهم تدميرهم، وأن يجعل هذا البلد آمناً مستقراً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين. وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



بحث عن بحث