فبذلك فليفرحوا


 

إن الفرح والسرور مطلب مُلِحٌّ، وغاية مبتغاة، وهدف منشود، والناس كل الناس يسعى إلى فرح قلبه، وزوال همّه وغمّه، وتفرق أحزانه وآلامه.

ولكن قَلَّ من يصل إلى الفرح الحقيقي، ويحصل على السعادة العظمى، وينجو من الآلام والأتراح.
والحديث في الأسطر التالية:

حول معنى الفرح، وأسبابه، وموانعه.

الفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب، فإذا فقده تولد من فقده حالة تسمى الحزن والغم.

والفرح أعلى نعيم القلب ولذته وبهجته؛ فالفرح والسرور نعيمه، والهم والغم عذابه.

والفرح بالشيء فوق الرضا به؛ فإن الرضا طمأنينة وسكون وانشراح، والفرح لذة وبهجة وسرور؛ فكل فرَحِ راضٍ، وليس كل راضٍ فرحاً.

ولهذا كان الفرح ضد الحزن، والرضا ضد السخط، والحزن يؤلم صاحبه، والسخط لا يؤلمه إلا إذا كان مع العجز عن الانتقام.

ولقد جاء الفرح في القرآن على نوعين : مطلق ،ومقيد .....

 فالمطلق جاء في الذم كقوله تعالى: ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) ( القصص:76) وقوله تعالى: ( إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) (هود:10)

‏‏(‏وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)(‏ سورة هود ‏:‏ الآية رقم:‏‏(‏9- 10‏‏‏)‏، فذمّه باليأس والكفر عند الامتحان بالبلاء، وبالفرح والفخر عند الابتلاء بالنعماء، واستبدل بحمد الله وشكره والثناء عليه إذ كشف عنه البلاء قوله ‏:‏ ‏(‏ذهب السيئات، ولو أنه قال‏:‏ أذهب الله السيئات عني برحمته ومنّه لما ذًمّ على ذلك ، بل كان محمودًا عليه، ولكنه غفل عن المنعم بكشفها ونسب الذهاب إليها وفرح وافتخر‏.‏

فإذا علم الله سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلان وتخليه عنه، فإن محله لا تناسبه النعمة المطلقة التامة كما قال تعالى: ‏(‏ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون‏)‏‏‏‏(‏الأنفال ‏:‏22-23‏.‏‏)‏ فأخبر سبحانه أن محلهم غير قابل لنعمته، ومع عدم القبول ففيهم مانع يمنع وصولها إليهم وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وتحققوها‏.‏ ومما ينبغي أن يعلم أن أسباب الخذلان من بقاء النفس على ما خلقت عليه في الأصل وإهمالها وتخليتها، فأسباب الخذلان منها وفيها، وأسباب التوفيق من جعل الله سبحانه لها قابلة للنعمة‏.‏ فأسباب التوفيق منه ومن فضله.

والفرح المقيد نوعان:

الأول: مقيَّد بالدنيا ينسي فضل الله ومنته وهو مذموم، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) ( الأنعام:44)

والثاني: فرح مقيد بفضل الله ورحمته وهو نوعان:

فضل ورحمة بالسبب ... وفضل بالمسبب.

فالأول: كقوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ( يونس:58 )

والثاني: كقوله تعالى : ( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (آل عمران:170)

ولقد ذكر الله ـ سبحانه ـ الأمر بالفرح بفضله ورحمته، عقيب قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )( يونس:57)

ولا شيء أحق أن يفرح به العبد من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة؛ الهدي الذي يتضمن ثلج الصدور باليقين، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، وحياة الروح به.

الرحمة التي تجلب لها كل خير ولذة، وتدفع عنها كل شر وألم.

والموعظة التي هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.

وشفاء الصدور المتضمن لعافيتها من داء الجهل، والظلمة ، والغي ، والسفه ، تلك الأدواء التي هي أشد ألماً لها من أدواء البدن .

وقال القرطبي اختلف العلماء في كون القرآن شفاء على قولين:

أحدهما: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، وكشف غطاء القلب من مرض الجهل.

الثاني: أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقي والتعوذ ونحوه

فالموعظة، والشفاء، والهدى، والرحمة هي الفرح الحقيقي، وهي أجلّ من يفرح به؛ إذ هو خير مما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها، فهذا هو الذي ينبغي أن يفرح به، ومن فرح به فقد فرح بأجل مفروح به، لا ما يجمع أهل الدنيا فيها ؛ فإنه ليس بموضع للفرح؛ لأنه عرضة للآفات، وشيك الزوال، وخيم العاقبة، وهو طيف خيال زار الصبَّ في المنام، ثم انقضى المنام وولى الطيف، وأعقب مزاره الهجران.

فالدنيا لا تتخلص أفراحها من أتراحها، وأحزانها البتة، بل ما من فرحة إلا ومعها طرحة سابقة، أو مقارنة، أو لاحقة.

ولا تتجرد الفرحة، بل لابد من طرحة تقارنها، ولكن قد تقوى الفرحة على الحزن، فينغمر حكمه وألمه مع وجودها وبالعكس.

فالفرح بالله ورسوله، وبالإيمان، وبالقرآن، وبالسنة، وبالعلم من أعلى مقامات العارفين، وأرفع منازل السائرين، وضد هذا الفرح الحزن الذي أعظم أسبابه الجهل، وأعظمه الجهل بالله، وبأمر، ونهيه؛ والعلم يوجب نوراً، وأنساً، وضده يوجب ظلمة ويوقع فيه وحشة.

ومن أسباب الحزن تفرق الهم عن الله؛ فذلك مادة حزنه كما أن جميعة القلب على الله مادة فرحه ونعيمه، ففي القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه ، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه ، وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون وحده مطلوب، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إلي، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص ل، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تُسدَّ تلك الفاقة منه أبداً .

هذا هو الفرح الحق، وهذا هو فرح أهل الإيمان لا فرح أهل الأشر والبطر والطغيان .

وفرحنا بعيد الأضحى هو فرح يتجلى:

مدى تحقق التقوى فينا بعد يوم عرفة.

والتقوى: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.

نحن أمة التميز في العقائد والشعائر والعبادات (كنتم خير أمة أخرجت للناس).

ولكل أمة عيد(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).عيد الأولمبيات، عيد الحب، عيد ميلاد المسيح عليه السلام...

وكل عيد عند أمة مرتبط بعقيدتها.

أعياد المسلمين: عبادة وتوحيد + مكارم أخلاق.

أعياد غير المسلمين: شرك + فجور ومعاصي.

                                                                                              إعداد

أ‌.      باسمة بدر الجابري



بحث عن بحث