وأقبل رمضان

 

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل واعلموا أن العمر الذي تعيشونه في هذه الحياة الدنيا أنفس ما للإنسان، ولا يقدر بالأثمان، وكل مفقودٍ يمكن أن يسترجع إلا العمر، فهو إن ضاع لم يتعلق بعودته أمل، ولذلك كان على المسلم أن يحفظه ويجتهد فيه فيما ينفعه في دنياه وآخرته، ويصونه عن الضياع باللهو والغفلة، ولا يفرط فيه بقليل أو كثير.

فالعمر الذي نعيشه هو المزرعة التي نجني ثمارها في الدار الآخرة، فمن زرعه بخيرٍ وعمل صالح جنا السعادة والفلاح، وكان مع الذين ينادى عليهم في الآخرة: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ )[الحاقة:24]

وقد ورد أن أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم أقصر من غيرها من الأمم ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك). رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. ورواه الترمذي وابن ماجه.

ومعنى الحديث أن أغلب أعمار هذه الأمة تتراوح بين ستين سنة إلى سبعين، ومنهم من يزيد على ذلك وهو قليل.

وفي موطأ الإمام مالك بسند مرسل: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر" .

ومن حكمة الله سبحانه وفضله ورحمته؛ إذ أكرمنا بمواسم تضاعف فيه الحسنات وتبارك الأعمال؛ وهيأ لنا الفرص لمضاعفة الأجر؛ ومن ذلك أن وهبنا شهر رمضان؛ شهر كريم اختص بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو أفضل الشهور؛ كالشمس بين الكواكب؛ أنزل الله فيه خير كتبه؛ القرآن الكريم، قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:185)، وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان) رواه أحمد.

وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، فقال سبحانه: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183).

فحري بالمسلم اغتنام الفرص، واستغلال العمر بما ينفعه في دينه ودنياه.

 

فضائل  شهر رمضان المبارك:

 

رَوَى الإِمامُ أحمدُ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «أُعْطِيَتْ أمَّتِي خمسَ خِصَال في رمضانَ لم تُعْطهُنَّ أمَّةٌ من الأمَم قَبْلَها؛ خُلُوف فِم الصائِم أطيبُ عند الله من ريح المسْك، وتستغفرُ لهم الملائكةُ حَتى يُفطروا، ويُزَيِّنُ الله كلَّ يوم جَنتهُ ويقول: يُوْشِك عبادي الصالحون أن يُلْقُواْ عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتُصفَّد فيه مَرَدةُ الشياطين فلا يخلُصون إلى ما كانوا يخلُصون إليه في غيرهِ، ويُغْفَرُ لهم في آخر ليلة، قِيْلَ يا رسول الله أهِيَ ليلةُ القَدْرِ؟ قال: لاَ ولكنَّ العاملَ إِنما يُوَفَّى أجْرَهُ إذا قضى عَمَلَه»

1-  شهر القرآن: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" سورة البقرة: الآية (185).  والمراد إنزاله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا كما جاء عن ابن عباس.

2- أن خُلْوفَ فَمِ الصائِم أطيبُ عند الله مِنْ ريحِ المسك، والخلوف بضم الخاءِ أوْ فَتْحَها تَغَيُّرُ رائحةِ الفَم عندَ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ من الطعام. وهي رائحةٌ مسْتَكْرَهَةٌ عندَ النَّاس لَكِنَّها عندَ اللهِ أطيبُ من رائحَةِ المِسْك لأنَها نَاشِئَةٌ عن عبادة الله وَطَاعَتهِ. وكُلُّ ما نَشَأَ عن عبادته وطاعتهِ فهو محبوبٌ عِنْدَه سُبحانه يُعَوِّضُ عنه صاحِبَه ما هو خيرٌ وأفْضَلُ وأطيبُ. ألا تَرَوْنَ إلى الشهيدِ الذي قُتِلَ في سبيلِ اللهِ يُريد أنْ تكونَ كَلِمةُ اللهِ هي الْعُلْيَا يأتي يوم الْقِيَامَةِ وَجرْحُه يَثْعُبُ دماً لَوْنُهَ لونُ الدَّم وريحُهُ ريحُ المسك؟ وفي الحَجِّ يُبَاهِي اللهُ الملائكة بأهْل المَوْقِفِ فيقولُ سبحانَه: «انْظُرُوا إلى عبادِي هؤلاء جاءوني شُعْثاً غُبْراً». رواه أحمد وابن حبَّان في صحيحه، وإنما كانَ الشَّعَثُ محبوباً إلى اللهِ في هذا الْمَوْطِنِ لأنه ناشئ عَن طاعةِ اللهِ باجتنابِ مَحْظُوراتِ الإِحْرام وترك التَّرَفُّهِ.

3- شهر الصبر: فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات تجلية، فيه الصوم حيث يحبس المسلم نفسه عن الأكل والشرب والجماع وغيره في النهار طوال شهر كامل ولهذا كان الصوم نصف الصبر وجزاء الصبر الجنة كما يقول الله تعالى "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" سورة الزمر الآية: (10).

4- أن الملائكةَ تستغفرُ لَصائمين حَتَّى يُفْطروا. وَالملائِكةُ عبادٌ مُكْرمُون عند اللهِ {لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]. فهم جَديْرُون بأن يستجيبَ الله دُعاءَهم للصائمينَ حيث أذِنَ لهم به. وإنما أذن الله لهم بالاستغفارِ للصائمين مِنْ هذه الأُمَّةِ تَنْويهاً بشأنِهم، ورفْعَةً لِذِكْرِهِمْ، وَبَياناً لفَضيلةِ صَوْمهم، والاستغفارُ: طلبُ الْمغفِرةِ وهِي سَتْرُ الذنوب في الدُّنْيَا والاخِرَةِ والتجاوزُ عنها. وهي من أعْلىَ المطالبِ وأسْمَى الغَاياتِ فَكلُّ بني آدم خطاؤون مُسْرفونَ على أنفسِهمْ مُضْطَرُّونَ إلَى مغفرة اللهِ عَزَّ وَجَل.

5- تغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان: وتصفد الشياطين ومردة الجن، كما جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين"، وفي لفظ وسلسلت الشياطين أي جعلوا في الأصفاد والسلاسل فلا يصلون في رمضان إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره ولذلك تجد أن وسوسة الشيطان وكيده وتلبيسه على الناس في رمضان أقل منه في غيره وأكبر دليل على ذلك أنك ترى المساجد عامرة بالمصلين في رمضان عنها في بقية الشهور.

6- أن الله يُزَيِّنُ كلَّ يوم جنَّتَهُ ويَقول: «يُوْشِك عبادي الصالحون أن يُلْقُوا عنهُمُ المَؤُونة والأَذَى ويصيروا إليك» فَيُزَيِّن تعالى جنته كلَّ يومٍ تَهْيئَةً لعبادِهِ الصالحين، وترغيباً لهم في الوصولِ إليهَا، ويقولُ سبحانه: «يوْشِك عبادِي الصالحون أنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ المؤونةُ والأَذَى» يعني: مؤونَة الدُّنْيَا وتَعَبها وأذاهَا ويُشَمِّرُوا إلى الأعْمَالِ الصالحةِ الَّتِي فيها سعادتُهم في الدُّنْيَا والاخِرَةِ والوُصُولُ إلى دار السَّلامِ والْكَرَامةِ.

7- أن الله يغفرُ لأمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلّم في آخرِ ليلةٍ منْ هذا الشهر إذا قَاموا بما يَنْبَغِي أن يقومُوا به في هذا الشهر المباركِ من الصيام والقيام تفضُّلاً منه سبحانه بتَوْفَيةِ أجورِهم عند انتهاء أعمالِهم فإِن العاملَ يُوَفَّى أجْرَه عند انتهاءِ عمله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". رواه البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ولله عتقاء من النار في كل ليلة من رمضان.

وَقَدْ تَفَضَّلَ سبحانه على عبادِهِ بهذا الأجْرِ مِنْ وجوهٍ ثلاثة:

الوجه الأول: أنَّه شَرَع لهم من الأعْمال الصالحةِ ما يكون سبَبَاً لمغَفرةِ ذنوبهمْ ورفْعَةِ درجاتِهم. وَلَوْلاَ أنَّه شرع ذلك ما كان لَهُمْ أن يَتَعَبَّدُوا للهِ بها. فالعبادةُ لا تُؤخذُ إِلاَّ من وحي الله إلى رُسُلِه. ولِذَلِكَ أنْكَرَ الله على مَنْ يُشَّرِّعُونَ مِنْ دُونِه، وجَعَلَ ذَلِكَ نَوْعاً مِنْ الشَّرْك، فَقَالَ سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّـلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الشورى: 21].

الوجه الثاني: أنَّه وَفَّقَهُمْ للعملِ الصالح وقد تَرَكَهُ كثيرٌ من النَّاسِ. وَلَوْلا مَعُونَةُ الله لَهُمْ وتَوْفِيْقُهُ ما قاموا به. فلِلَّهِ الفَضْلُ والمِنَّة بذلك.

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للإيمان إِنُ كُنتُمْ صَـادِقِينَ } [الحجرات: 17].

الوجه الثالث: أنَّه تَفَضَّلَ بالأجرِ الكثيرِ؛ الحَسنةُ بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ. فالْفَضلُ مِنَ الله بِالعَمَلِ والثَّوَابِ عليه. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

8- ليلة القدر: التي هي خير من ألف شهر "ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر" سورة القدر الآيات (3-5).

وقد حسب بعض أهل العلم ألف شهر فوجدوها تزيد على الثلاث والثمانين سنة.

9- الدعاء مستجاب: فقد روى الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لكل مسلم دعوة مستجابة يدعو بها في رمضان".وقد ورد في أحاديث كثيرة أن هذه الدعوة عند الإفطار فليحرص العبد عند إفطاره على التضرع إلى الله تعالى بجوامع الدعاء.

هذه بعض فضائل هذا الشهر الكريم.

 

أعمال البر في رمضان:

1-   تحقيق التوحيد لله تعالى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.. فالصيام وحده لا يكفي حتى يتحقق الإيمان والاحتساب..

قال صلى الله عليه وسلم:( يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به, يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي؛ للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره؛ وفرحة عند لقاء ربه؛ ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )؛ قال سفيان بن عيينة: " إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم فيتحمل الله عز وجل ما بقى عليه من المظالم و يدخله بالصوم الجنة " .

2-   الصلوات الخمس. المسارعة إليها في أوقاتها، أدائها بخشوع وطمأنينة.

3-  قراءة القرآن: روى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصيام والقيام يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالنهار فشفعني فيه، فيشفعان(1)” .

وقد كان السلف رحمهم الله يجتهدون في قراءته أيما اجتهاد؛ فقد كان بعض السلف يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال, وبعضهم في كل سبع؛ وجاء عن الشافعي رحمه الله أنه كان له في رمضان ستون ختمة.

وقد كان من هديهم رحمهم الله أنهم يدعون سائر العلوم في رمضان ويقبلون على قراءة القرآن, فقد كان الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان قال: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام؛ وكان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم, ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف

وعلى المسلم أن يقرأ القرآن بتدبر لا يهذّه كهذّ الشعر, فلعل الله أن يفتح عليه فتحاً لم يكن يخطر له على بال, يكون سبباً في حياة قلبه .

4-  الأذكار, ينبغي على المسلم أن يلزم الأذكار ويجعل لسانه دائم الذكر لله رب العالمين؛ مِن تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير واستغفار؛ فإن الذكر حياة القلوب؛ " ألا بذكر الله تطمئن القلوب ".

و الذكر سهل وميسَّر؛ لا عذر لأحدٍ بتركه لأنه مُستطاع لكل أحد متعلم وغير متعلم وصغير وكبير, فاجتهد بتقويم لسانك على ذكر الله.

أذكار الصباح والمساء....

5-   قيام رمضان إيمانًا واحتسابًا: لقوله الله صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه.

6-   إفطار الصائم: لقوله صلى الله عليه وسلم : (من فطر صائماً فله مثل أجره ) صححه الألباني .

7-  كثرة الصدقة والإنفاق: فقد (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة فيدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ) متفق عليه .

8-     أداء العمرة في رمضان: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( العمرة في رمضان تعدل حجة، أو حجة معي ) متفق عليه .

ولا تنس قبل أن تذهب للعمرة قراءة ما تيسر من كتب أهل العلم في أحكام العمرة؛ حتى لا تزل بك القدم فتقع في الخطأ، والعلم ميسر سهل مناله، ولكن التسويف والتثاقل والكسل حال بكثير من الناس بينهم وبين العلم والتفقه بالدين، كما أن مطالعة هذه الكتب تدفعك لأداء العمرة بقلب يملؤه التفكر والتدبر والخشوع؛ فصاحب هذا القلب على بينة بالأركان والواجبات والسنن والأذكار التي تحي القلوب الغافلة وتنأ به عن مواطن البدع، ولا تثقله بالتكلف والتنطع في العبادات بما لم يشرعه الرب تبارك وتعالى.

9-   صلاة التراويح.

10-      التخفيف على الخدم والعمال في رمضان، والرفق بهم: لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فأشقق عليه . ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم ، فأرفق به) رواه مسلم .

11-      تعويد الأولاد على الصيام واحترام هذا الشهر الكريم واستشعار فضله: عن الربيع بنت معوذ قالت : ( فكنا نصومه بعد ، ونصوم صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العهن ) رواه البخاري .

12-  بر الوالدين.

بر الوالدين والقرب منهما وقضاء حوائجهما وطاعتهما ومحاولة الإفطار معهما فبعض الشباب تجده كثير الإفطار في بيته أو عند أصحابه ولا يجلس مع والديه ولا يفطر معهما إلا قليلاً ولا شك أن برهما من أعظم القربات إلى الله تعالى كيف لا وقد قرن حقهما بتوحيده وعبادته وحده جلا وعلا .

13-   تدريب النفس على هجر المعاصي.

وعلينا أن نعلم جميعاً أن حقيقة الصوم ليس مجرد ترك الطعام والشراب ، بل شرع الله تعالى الصيام لأجل أن نحصِّل التقوى ، ولذا كان الصيام الحقيقي هو الصيام عن المعاصي بتركها وهجرها والكف عنها ، وهو صوم القلب ، لا فقط صوم الجوارح ، وقد دلْت عموم السنَّة وخصوصها على ما قلناه ، وكذا جاء في كلام أهل العلم ما يبينه ويوضحه .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ )(2) رواه البخاري.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ )(3) رواه أحمد.

وقد كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهْرة للأنفس والجوارح ، وتَنزُّهًا عن المعاصي والآثام .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو .

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري : إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء.

وعن حفصة بنت سيرين – وكانت عالمة من التابعين - قالت: الصيام جُنَّة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة .

وعن ميمون بن مهران: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب(4).

ولا نعجب بعدها إذا علمنا أن بعض أهل العلم قال ببطلان صوم من وقع في المعصية أثناء صيامه، وإن كان الصحيح أنه لا يبطل الصوم، لكن لا شك في نقصانه، ومخالفته لحقيقة الصوم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

"الغيبة تضر بالصيام، وقد حكي عن عائشة، وبه قال الأوزاعي: إن الغيبة تفطِّر الصائم، وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأفرط ابن حزم فقال: يبطله كل معصية من متعمِّد لها ذاكر لصومه، سواء كانت فعلاً، أو قولاً؛ لعموم قوله: ( فلا يرفث ولا يجهل )؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) " انتهى(5) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

"أما الذي يجب عنه الصوم : فلعلكم تستغربون إذا قلت: إن الذي يجب عنه الصوم هو: المعاصي , يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي؛ لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم؛ لقول الله تبارك وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183، لم يقل: لعلكم تجوعون! أو لعلكم تعطشون! أو لعلكم تمسكون عن الأهل! لا، قال: ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ), هذا هو المقصود الأول من الصوم, وحقَّق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأكده بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) إذاً أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عز وجل, هذا هو الصوم الحقيقي، أما الصوم الظاهري: فهو الصيام عن المفطرات, الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) البقرة/187 ، هذا صوم نسميه الصوم الظاهري، صوم البدن فقط, أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول: فهو الصوم عن معاصي الله عز وجل.

وعلى هذا: فمن صام صوماً ظاهريّاً جسديّاً، ولكنه لم يصم صوماً قلبيّاً: فإنَّ صومه ناقص.

14-      الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر. الجلوس بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس ثم يصلى ركعتين فيحصل على أجر حجة وعمرة تامة كما في الحديث " من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة "

14- استغلال وقت الحيض والنفاس في الذكر وأعمال البر.

 

فالتكون لنا همة تنافس الحسن والفضيل وسفيان .
همة كهمة التابعي أبي إدريس الخولاني حيث كان يقوم حتى تتورم قدماها و يقول: و الله لننافسن أصحاب محمد على محمد صلى الله عليه وسلم وحتى يعلموا أنهم خلفوا ورآهم رجالا .

ضاعفوا الاجتهاد في هذه الليالي، أكثروا من الذكر  ... أكثروا من تلاوة القرآن... أكثروا من الصلاة، أكثروا من الصدقات، أكثروا من تفطير الصائمين ...

عن الحسن قال: ( إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا ).

فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلاة والسلام على بينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

إعداد

أ . باسمة الجابري


 


 

(1) ح6626-11/199 وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح984-1/238.

(2) ح ( 1804 ).

(3) ح (8693) وصححه ابن حبان ( 8 / 257 ) والألباني في " صحيح الترغيب " ( 1 / 262 ) .

(4) ذكر هذه الآثار: ابن حزم في " المحلى " ( 4 / 308 ) .

(5) فتح الباري ( 4 / 104 )

 



بحث عن بحث