الظــــــن بمن سلم من الأنام

في ضوء الكتاب والسنة(11-15)

 

تابـــع علاج المجتمع

الأمر السابع (تقديم الظن الحسن)

وهذا امتثالاً لقوله تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)[النور:12].

فيجب على المؤمنين إذا سمعوا سوء عن إخوانهم أن يقدموا الظن الحسن والخير بهم، ويقولون هذا أفك مبين.

الأمر الثامن: (التثبت والتمحيص والتشكك في صدقه إلى أن يتبين موجبه)

وقد قال ابن حجر–رحمه الله-في تفسيره لسورة النور فيما يتعلق بحادثة الافك: (وفيه البحث عن الأمر القبيح إذا أشيع، وتعرف صحته وفساده بالتنقيب على من قيل فيه، هل وقع منه قبل ذلك ما يشبهه أو يقرب منه؟ واستصحاب حال من اتهم بسوء، أو كان قبل ذلك معروفاً بالخير ،إذا لم يظهر عنه بالبحث ما يخالف ذلك) (1) .

ولما جاء الأمر باجتناب كثير من الظن، علمنا أن الظنون الآثمة غير قليله، فوجب التمحيص والتمييز بين الظن الباطل والحق.

فإذا أحسست بذلك، فتثبت واستعن بالله، ولا تجعل للشيطان إليك سبيلاً، فإن ظناً سيئاً واحداً برجلٍ برئ قد يؤدي بك إلى النار، فللمؤمن حرمة يجب مراعاتها وعدم انتهاكها.

فمن عرف منه الصلاح، وأونست فيه الأمانة والإخلاص، وشوهد منه التستر والعمل الخالص ،فلا يجوز قطعاً أن يظن به سوء، لمجرد شبة، لا يقوم عليها دليل ،وليس معها تعليل.

أما المجاهر فلا يحرم سوء الظن به، وإن لم يره الظان على معصيته ،لأنه مكن من صفحته، وأزال حرمة

 عرضه.(2)

الأمر التاسع: (أن يعرضه على ما بينته الشريعة)

وهو أمر تابع لما سبقه، فإن المرء إذا وجد شيئاً قادحاً كما يراه، لا يكتفي برؤيته هو، بل عليه أن يعرضه على ما بينته الشريعة ،قبل أن يقرر القرار النهائي.

وفي هذا يقول الشيخ ابن عثيمين–رحمه الله –(يجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق، أن ينظر في أمرين:

أحدهما: دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق.

الثاني: انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين...) (3)

الأمر العاشر (عدم التحقق والتجسس)

وقد يظن أن هذا يخالف ما سبق من حث على التثبت والتمحيص، ولكن الأمر ليس كذلك، فالتثبت والتمحيص يكون بعد ظهور أمر يوجبه، أما التجسس المقصود هنا فهو البحث عن الخبايا والأستار، دون أن يكون هناك ما يوجبه، بل كل ما في الأمر أوهام وخواطر وظنون ،لا أساس لها بل باطلة.

وهذا السلوك وهو التحسس والتجسس كثيراً ما يلجأ إليه من يتهم غيره بسوء، فيقول: سأحاول أن أتحقق فيتجسس على غيره بغير حق، وبذلك يرتكب ذنباً  آخر، وأحياناً بعد التجسس ،يصل إلى نتيجة تحقق له ظنه، فيغتاب أخاه المسلم، ويذكره بسوء، فيرتكب ثلاث آثام، وهكذا يجر ظن السوء إلى آثام عديدة ،إن لم يبتره المرء، ويقطع مادته من جذورها.

ولذلك نهى الله عن التجسس والغيبة ،بعد النهي عن سوء الظن ،تنبيهاً للمسلم، وتحذيراً له من التورط فيما يجره سوء الظن بالمسلم الظاهر العدالة المستور. (4)

يتبع علاج المجتمع


(1)   مجموع فتح الباري: 8/479.

(2)   نظرات في سورة الحجرات: 124.

(3)   القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى: 87-89.

(4)  السلوك الاجتماعي في الإسلام: 92.

 



بحث عن بحث