الظــــــن بمن سلم من الأنام

في ضوء الكتاب والسنة(10-15)

 

تابــــع علاج المجتمع:

الأمر الثالث: (عدم استدعاؤه):

فالظن يبدأ غالباً كخاطرة؛ فهو يحصل في خاطر الإنسان اضطراراً عن غير اختيار(1) .

 وقد قال ابن القيم –رحمه الله-(واعلم أن ورود الخواطر لا يضر، وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته، فالخاطر كالمار على الطريق، فإن لم تستدعه وتركته مر وانصرف عنك، وإن استدعيته سحرك بحديثه، وخدعه، وغره، وهو أخف شيء على النفس الفارغة الباطلة، وأثقل شيء على القلب والنفس الشريفة السماوية المطمئنة) (2)

وحيث كان الأمر كذلك، لزم مراعاة الخواطر، وعدم تركها كما تشاء تلهو بعقل المرء وقلبه، فيحكم بها على مالا سند له ولا استدلال عليه.

الأمر الرابع: (صون الأذن عن استماع الغمز)

ولا شك أن استماع الغمز واللمز، مما يورث مساوئ الظنون، وما من جارحة هي أشد ضرراً على العبد بعد لسانه من سمعه.

وقد صدق القائل:

فإنك عند استماع القبيح       شريك لقائله فانتبه(3)

وقد قال  ابن حجر(4) –رحمه الله-ضمن ما ذكره من فوائد  حادثة الإفك: (وفيه ذم الغيبة، وذم سماعها، وزجر من يتعاطاها لاسيما إن تضمنت تهمة المؤمن بما لم يقع منه) (5) .

الأمر الخامس :(الاشتغال بعلاج عيوب النفس والالتفات إليها دون عيوب الآخرين) فالالتفات إلى عيوب الآخرين وتفصيلها بلا داع، أو مبرر، أنما هو هوى دافع لإساءة الظنون.

وقد قال ابن القيم –رحمه الله-: (من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس، ومن عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه) (6) .

نعم من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها وتهذيبها وتقويمها عن تتبع أخطاء الناس وزلاتهم، ولما كان حاله كما ذكر أبو هريرة(7)  –رضي الله عنه-(يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عين نفسه) (8).

وقال أبو حاتم(9) : (وإذا كان من السلامة ترك التجسس على عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، أراح بدنه ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، ومن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه، عمى قلبه، وتعب بدنه، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه) (10) .

الأمر السادس (ستر عيوب الناس)

فإذا ظهر لأحد عيب في أخيه فعليه ستره، وعدم إشاعته وإذاعته ،أو التكلم به في كل حين وفي كل مجلس.

وكل ذلك منهي عنه قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون) [النور: 19]

وهذا تأديب لمن سمع شيئاً من الكلام السيئ، فقام بذهنه شيء منه ،وتكلم به، فلا يكثر منه، ولا يشيعه ولا يذيعه.

وتوعد الله من فعل ذلك بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وأمرهم برد الأمور كلها إليه  ليرشدوا. (11)

وقال ابن تيمية–رحمه الله-(وفي الآية نهي عن تلقي مثل هذا باللسان ،ونهي عن أن يقول الإنسان ما ليس له به علم ،لقوله تعالى: ((وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ))[الإسراء: 36] والله جعل في فعل الفاحشة والقذف من العقوبة ما لم يجعله في شيء من المعاصي) (12) .

 

يتبع علاج المجتمع


(1)  تفسير التحرير والتنوير  260/251.

(2)  الجواب الكافي: 138.

(3)  أدب الدنيا والدين: 274.

(4)   ابن حجر:هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني الشافعي ،محدث مؤرخ أديب شاعر ولد عام 773 وتوفي 852 زادت تصانيفه التي معظمها في الحديث والتريخ والأدب والفقه على مائة وخمسين مصنفا منها :فتح الباري ،الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة(تذكرة الحفاظ 5/326)

(5)   فتح الباري: 8/482.

(6)  الفوائد: 104.

(7)   أبو هريرة: اختلفوا في اسمه واسم أبيه على ثمانية عشر قولاً، وأشهرها عبد شمس  بن عامر فسمي في الإسلام عبد الله، وكان له هرة صغيرة فكنى بها، وهو من أكثر المحدثين توفي سنة 57هـ وقيل تسع وخمسين (صفة الصفوة 1/685).

(8)   الأدب المفرد للبخاري: 13.

(9)  أبو حاتم: محمد بن حبان بن أحمد السبتي محدث حافظ مؤرخ فقيه لغوي واعظ من تصانيفه الثقات، المسند الصحيح في الحديث، معرفة القبلة توفي 354هـ (تذكرة الحفاظ 3/920، سير أعلام النبلاء 1/166).

(10)   روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: 125.

(11)   تفسير ابن كثير 5/70.

(12)  الفتاوى: 15/331.

 



بحث عن بحث