الظــــــن بمن سلم من الأنام

في ضوء الكتاب والسنة(3-15)

 

ظن السوء في ضوء القرآن الكريم:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (1) .

(يا أيها الذين ءامنوا): نداء من الله عز وجل لعباده المؤمنين وتصدير الحكم بهذا النداء يدل على: أهميته.

2-إن نداء المؤمنين باسم  الإيمان يدل أن هذا العمل من الإيمان، وأن مخالفته مما ينقص الإيمان.

3-الإغراء: يعني الحث على التزام الحكم(2)  .

فيقول الله تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله ،لأن بعض ذلك يكون إثماً محضاً فليتجنب كثيراً منه احتياطاً(3)  .

(اجتنبوا): أي تباعدوا عنه، وأصله اجتنبه، أي كان  على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له. (4)

يقال جنبه الشر: إذا أبعده عنه ،وحقيقته جعله في جانب، فيعدى إلى مفعولين.

 قال تعالى: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) ومطاوعه اجتنب الشر فنقص مفعولاً والمأمور باجتنابه بعض الظن(5) .

 وقوله (كثيراً) جاءت نكرة ليحتاط في كل ظن ،ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل فإن من الظن ما يباح اتباعه كالظن في الأمور المعاشية، ومنه ما يجب كحسن الظن بالله، ومنه ما يحرم كالظن في الالهيات والنبوات، وحيث يخالفه قاطع، وظن السوء بالمؤمنين. وفي الحديث ما يدل على  أن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به إلا خيرا. (6) وعن عائشة  رضي الله عنها مرفوعاً (من أساء الظن بأخيه فقد أساء بربه الظن ، إن الله تعالى يقول (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ) (7) ....(8).

(من الظن): الظن هنا مجرد التهمة التي لا سبب لها يوجبها كمن يتهم بشيء من الفواحش ولم يظهر عليه ما ينفي ذلك(9) .

ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى: (ولا تجسسوا) وذلك أنه يقع له خاطر التهمة ابتداء، ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ليتحقق له ما وقع له من تلك التهمة.

والذي يميز الظن الذي يجب اجتنابه عما سواه، أن كل ما لم تعرف له إمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراماً، وهذا يكون فيما لو كان المظنون به ممن شوهد منه التستر والصلاح ،وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم.

بخلاف من اشتهر بين الناس بالفساد والمجاهرة بالخبائث(10) .

 (إن بعض الظن إثم): تعليل لما قبلها من الأمر باجتناب كثير من الظن، وهذا هو ظن السوء بأهل الخير(11) .

 والمعيار في ذلك هو عرض هذا الظن على ما بينته الشريعة في أ حكامها من الكتاب والسنة، وما أجمعت عليه علماء الأمة، وما دل عليه الاجتهاد الصحيح، ومقاصد الشريعة ، فيمكن من خلال ذلك معرفة من هو أهل لسوء الظن ممن سواه. (12) .

وقد أمرنا الله بذلك لعلمه –سبحانه-ما يترتب على ذلك  الأمر من شرور عظيمة، وأخطار جسيمة قد تسري إلى الأمة بأسرها.

وذلك أن سوء الظن الذي في القلب لا يزال بصاحبه حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي.

(إثم): هو ما يستحقه الظان من العقوبة، وهو إثم كبير لما قد يترتب عليه من قول باطل أو فعل سوء أو تعطيل معروف(13) .

ونحن مسئولون أمام الله –تعالى- عن كل ما نقول أو نفعل.

فلا ينبغي أن يكون قولنا السيئ مبني على جهل وظن ووهم، قال تعالى : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الاسراء: 36]

فذم الآخرين بما ليس للمرء به علم ، وتتبع الحدس والظنون والقذف  بالباطل، كل ذلك داخل في هذا النهي(14) .

والمرء يوم القيامة يسأل عن أفعال جوارحه، فيقال له : لم سمعت ما لا يحل لك سماعه!؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه!؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه!؟...

ويدل على هذا المعنى آيات كثيرة في كتاب الله –تعالى- منها قوله عز وجل (وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 93]. ونحو ذلك من الآيات(15)  .

ومما سبق يتبين لنا أن موقف الكتاب من سوء الظن بالمسلمين كان موقفاً بارزاً واضحاً جلياً لا ينبغي الإستهانة أو التساهل به.

يتبع ظن السوء في ضوء السنة


(1)  سورة الحجرات: 12.

(2) تفسير سورة النور لابن عثيمين.

(3) تفسير ابن كثير ج6/398.

(4)  روح المعاني ج 26/176.

(5) تفسير القرآن الجليل ج3/398.

(6) يدل عليه حديث رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب حرمة دم المؤمن وماله 2/364، حد/398 فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه  راى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول  (ما أطيبك ، وأطيب ريحك ،ما أعظمك وما أعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك ماله ودمه، وأن نَظُنَّ به إلا خيراً). وذكره مسلم في كتاب البر،  وابو داوود في كتاب الأدب،  والترمذي في  البر وأحمد بن حنبل بألفاظ أخرى ليس فيها وأن نظن به إلا خيراً ).

(7)  ذكره السيوطي في الدر المنثور وقال أخرجه ابن مردويه وابن النجار6/565-566.

(8)  روح المعانى 26/176 تفسير ابى السعود 8/122.

(9)  فتح الباري 1/481.

(10) تفسير القرطبي 16/320. وتفسير الشوكاني: 5/64

(11) تفسير الشوكاني: 5/64.

(12) تفسير التحرير والتنوير: 26/251.

(13)  تفسير الشوكاني: 5/64، تفسير الجزائري: 4/295.

(14)  تفسير القرطبي: 1/257-258.

(15)  تفسير الشنقيطي: 3/589-590.

 



بحث عن بحث