راضية الأندلسية

"الكوكب الزاهي"

تسلل النور إلى الأندلس، وعمّ أرجاءها، وارتفع صوت التوحيد مجلجلاً بين روابيها الأخّاذة، فتلاقى صفاء التوحيد مع جمال الطبيعة، ليشكّلا حضارة مشهودة، رسم المسلمون فيها أجمل لوحاتهم، وتفنّنوا في اختيار ألوانها وزخرفة حواشيها، فغدت قرة الأعين وبهاء النفوس.

وفي ربوع هذه البيئة النضرة نما العلم وترعرع، فقد عشق الأندلسيون العلم والأدب، واهتموا بهما اهتماماً كبيراً حتى شاع في بيئاتهم، وأضحى في متناول مَن يرغبه منهم.

ولم يبخل الأندلسيون على مواليهم بالعلم ، فهاهي راضية الملقّبة بنجم مولاة الخليفة الأموي عبد الرحمن بن محمد الناصر لدين الله تنكب على علوم الدين واللغة والأدب والتاريخ، وتعُبُّ منها ما يتسع له عقلها وفهمها، فاقتنت الكتب ونسخت الكثير منها لجودة خطها، وروت الأحاديث الشريفة، وكان الشيخ أبو محمد بن خزاج أحد تلاميذها حيث روى عنها، واحتفظ بالكثير من كتبها.

وبعد وفاة الناصر لدين الله أعتقها الحكم المستنصر، وزوّجها لأحد رجاله المثقفين، وهو لبيب الفتى، وكان من الصقالية المشتغلين بالعلم، فأعجب بها، وشجعها على طريق العلم والتعليم، فكانا يقرآن ويكتبان معاً، ثم شاء الله لهما أن أتمّا حجهما عام ثلاث وخمسين وثلاثمئة من الهجرة، ودخلا في تلك الرحلة إلى الشام ومصر، ولقيا الشيخ ابن شعبان القرطبي، وغيره من العلماء الأجلاء في مصر.

ثم عادت راضية وزوجها إلى الأندلس، واشتغلت بالتعليم، فكانت تمنح الإجازات العلمية لطلابها من الرجال والنساء حتى ذاع صيتها فلُقِّبت بالكوكب الزاهي، إذ عَرف قدرها ومنزلتها علماء المشرق والمغرب.

توفيت عام ثلاث وعشرين وأربع مائة من الهجرة بعد أن بلغت ما يقرب المائة من عمرها، رحمها الله (1).


(1)ابن بشكوال: الصلة ص693،694 ، مكتبة الخانجي. وعبد الله حفيفي: المرأة العربية في ظلال الإسلام، ص158، دار الكتاب العربي.

Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4


بحث عن بحث