هند بنت المهلّب بن أبي صُفرة

(من أعقل النساء )

 

امرأة عاقلة حصيفة، ذات أدب ومروءة، تمتاز بعقل راجح ونظر بعيد، حتى قال عنها التابعي الفقيه أيوب السجستاني:" ما رأيت امرأة أعقل منها...".

نشأت في كنف أمير شجاع، اهتمّ بتربيتها وتهذيبها، وزانها بالفضل والعلم؛ إنها هند بنت المهلب بن أبي صُفْرة الأزدية البصرية، والدها الأمير المجاهد المهلب بن أبي صفرة، وزوجها الحجاج بن يوسف الثقفي.

درجت وترعرعت هند في بيئة دينية أدبية، إذ نالت نصيباً وافراً من العلم والأدب، وكان من أشهر مَن تلّقت عنه العلم والدها المهلّب، كما حدّثت عن الحسن البصري، حتى نبغت في العلم والفقه، ومالت إلى الأدب، إلى أن عدّت من ربّات الفصاحة والبلاغة؛ إذ كانت لها أقوال بليغة، من مثل قولها:" ما تحلّت النساء بحلية أحسن عليهن من لُبّ طاهر، تحته أدب كامل".

وقد سرى حسن تربيتها وفضل علمها في نفسها كما تسري المياه في الغصن الرطيب، فتزيد من بهائه ونضرته فتتّفق أزاهيره، وتنضج ثماره، فقد بلغت هند من رجاحة العقل والحكمة ما جعلها تتعرف إلى نفوس الرجال والنساء، فلا تسدي نصحاً ولا تُصدر قولاً إلا عن رؤية ثاقبة وحكمة بليغة، وقد نقل ابن عساكر طرفاً من أقوالها الحكيمة، كمثل قولها :" شيئان لا تُؤمنُ المرأة عليهما؛ الرجال والطِّيب".

وقد ثبت فيها رجاحة عقلها ثقة واسعة بالنفس، فغدت جريئة في الحق، إذ نراها لا تهاب في الحق أحداًن يروى أنها قدمت على أمير المؤمنين الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه - فقالت له:" يا أمير المؤمنين علام حبست أخي؟"

قال: تخوّفت أن يشُقّ عصا المسلمين.

فقالت له: فالعقوبة بعد الذنب أو قبل الذنب؟!

وكانت تقطع أوقات فراغها بما ينفع، وتحث النساء على ذلك، فقد كانت تغزل بيديها على الرغم من مكانتها الاجتماعية العالية، فقد روى زياد بن عبد الله القرشي أنه دخل عليها فرأى في يدها مغزل فتعجب قائلاً لها: أ تغزلين وأنت امرأة أمير؟!  

قالت: سمعت أبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "أطولكن طاقة أعظمكن أجراً، وهو يطرد الشيطان، ويذهب بحديث النفس".

هذا وقد توّجت هند رحمها الله سجاياها الفاضلة بالجود والكرم والسخاء، فقد كانت أم عبد الله العتكي تدخل عليها فكانت تقول: كنت أدخل على هند بنت المهلب وهي تسبّح باللؤلؤ، فإذا فرغت من تسبيحها ألقته إلينا، فقالت: اقسمنه بينكن.

ولعل أجمل أقوالها وأكثرها حكمة ومعرفة بحال الدنيا قولها :" إذا رأيتم النّعم مستدرّة فبادروها بتعجيل الشكر قبل حلول الزوال"(1)

 

 

بقلم / د . شادن أبو صالح

 


(1) انظر: ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق "تراجم النساء" ، 462-466، دار الفكر،  والطبري: تاريخ الرسل والملوك: 3/684، وعمر رضا كحالة: أعلام النساء، 5/254،256، مؤسسة الرسالة.

 

 



بحث عن بحث