الرحلات العلمية والحج عند النساء(1)

 

منذ العهد النبوي كان الحج موسما سنويا للعبادة من جهة، وملتقى علميا من جهة أخرى، فكان الناس رجالاً ونساء يترقبون الشهر الحرام؛ حتى يلتقوا بمن يزودهم بالعلم، ويفقههم في الدين.

وقد كان لحجة الوداع  أثر عظيم في نشر العلم، حيث حضرها أربعين ألف رجل وامرأة، ألقى فيهم النبي  صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة، جمع فيها أحكاما غزيرة، وسننا كثيرة، وقد ساهمت المرأة العالمة في تبليغ كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، متمثلة قوله - عليه الصلاة والسلام- (فليبلغ الشاهد الغائب) .

وقد نقلت أم الحصين الأحمسية روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم سمعتها منه في حجة الوداع .

وهذه أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- تحرص على الخروج إلى الحج وهي على وشك المخاض؛ رغبة في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجها أبي بكر، حتى إذا وصلت إلى أبيار علي نفست، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني نفست فماذا أفعل؟ فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل، وتستثفر، وتحرم ، فأخذ العلماء من حديثها حكما، وهو استحباب الغسل في إحرام الحائض والنفساء. 

وربما اغتنمت المرأة فرصة لقاء النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق؛ لتسأله أثناء أداء مناسكه وحجه، حتى وهو على راحلته ، كما حصل للمرأة الخثعمية التي سألته عن الحج عن والدها العجوز، فقد روى البخاري عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما- قال: ( كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم ، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يارسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لايثبت على الراحلة، أفأحج عنه ؟ قال : نعم، وذلك في حجة الوداع).

قال ابن حجر في فوائد الحديث (ويؤخذ منه التفريق بين الرجال والنساء خشية الفتنة ، وجواز كلام المرأة، وسماع صوتها الأجانب عند الضرورة، كالاستفتاء عن العلم ، والترافع في الحكم والمعاملة ، والنيابة في السؤال عن العلم، حتى من المرأة عن الرجل )الفتح 4/70

ومن ذلك ماكان من المرأة التي كانت مع قومها يريدون الحج ، فلما التقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرفوه سارعت ورفعت إليه صبيها تسأله : إن كان له حج. روى مسلم عن ابن عباس قال:رفعت امرأة صبيا لها فقالت : يارسول الله، ألهذا حج؟ قال : نعم، ولك أجر).

ولو نظرنا سريعا إلى كتاب الحج لوجدنا روايات كثيرة لعائشة - رضي الله عنها- في سرد كثير من الأحكام المتعلقة بحجته ، وقد روى عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- جيل من النساء من مختلف الأمصار، ورواياتهن  تشير إلى أن السماع أو اللقيا كانت أثناء مناسك الحج. ومن ذلك :

ذقرة بنت غالب الراسبية البصرية أم عبدالرحمن بن أذينة قاضي البصرة، روت عن عائشة قالت:كنا نطوف البيت مع أم المؤمنين فرأت على امرأة بردا فيه تصليب  فقالت:اطرحيه،اطرحيه فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى نحو هذا قضبه).

أيضا روى البخاري عن ابن جريج قال:أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت: أبعد الحجاب أم قبل ؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب قلت : كيف يخالطن الرجال ،قال :لم يكن يخالطن ، لحديث عائشة - رضي الله عنها-: تطوف حجرة من الرجال لاتخالطهم ، فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت : انطلقي عنك وأبت.

يقول ابن حجر : (فقالت امرأة ) لم أقف على اسم هذه المرأة، ويحتمل أن تكون دقرة بكسر الدال وسكون القاف امرأة روى عنها يحيى بن أبي كثير أنها كانت تطوف مع عائشة بالليل، فذكر قصة أخرجها الفاكهي.          

 

 

 



بحث عن بحث