الحيـــــــاء

اسم الله الحيي الستير سبحانه جل جلاله(12-32)

 

تابـــع مظاهر عدم الحياء

 

ومن مظاهر عدم الحياء استقدام النساء الأجنبيات السافرات وربما الكافرات وخلطهن مع العوائل داخل البيوت يزاولن الأعمال بين الرجال، وربما يستقبلن الزائرين ويقمن بصب القهوة على المحارم, ويخلون مع النساء في البيوت والسيارات في الذهاب بهن إلى المدارس والأسواق فأين الغيرة وأين الحياء وأين الشهامة والرجولة؟!

ومن مظاهر عدم الحياء عند بعض الرجال أو النساء، شغفهم باستماع الأغاني والمزامير من الإذاعات ومن أشرطة التسجيل، فأين الحياء عند من يشتري الأفلام الخليعة أو يضع هذه القنوات الفضائية ,التي تعرض الفحش والمجون في بيته وأمام نسائه وأولاده وفيها ما فيها من مناظر الفجور وقتل الأخلاق وإثارة الشهوة والدعوة إلى الفحشاء والمنكر ؟! أين الحياء من المدخن الذي ينفث الدخان الخبيث من فمه في وجود جلسائه ومن حوله، فيخنق أنفاسهم , ويقزز نفوسهم ويملأ مشامهم من نتنه ورائحته الكريهة؟! أين الحياء من التاجر الذي يخدع الزبائن ويغش السلع، ويكذب على الناس؟!

فينبغي للعبد أن يراقب الله في أفعاله وتصرفاته كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:12-14).

ولقد كان السلف رحمهم الله يعلمون أن قلة الحياء من موت القلب والروح, فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم. ولذا كانوا يستحيون من الله جل جلاله فقد كان لعبد الله بن عمر خادم أذنب ذنباً فأراد ابن عمر أن يعاقبه عليه.

فقال الخادم لابن عمر: يا سيدي أما لك ذنب تخاف الله منه ؟

فقال: بلى.

قال: بالذي أمهلك لمَا أمهلتني.

ثم أذنب الخادم ثانياً فأراد ابن عمر عقوبته فقال له مثل ذلك فعفا عنه. ثم أذنب الثالثة فعاقبه وهو لا يتكلم.

فقال له ابن عمر: ما لك لم تقل ما قلت في الأوليين ؟

فقال: يا سيدي حياءً من حلمك مع تكرار جرمي.

فبكى ابن عمر وقال: أنا أحق بالحياء من ربي أنت حر لوجه الله(1) .

وقال الجراح: تركت الذنوب حياءً أربعين سنة.

ولما احتضر الأسود بن يزيد بكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال ومن أحق مني بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة من الله عز وجل لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه و بين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه، ولا يزال مستحيياً منه.

وقال الحسن: لو لم نبكِ إلا للحياء من ذلك المقام لكان ينبغي لنا أن نبكي فنطيل البكاء.

ورأى أبو موسى الأشعري قوماً يقفون عند الماء بغير أزر فقال: لأن أموت ثم أُنشر ثم أموت ثم أُنشر ثم أموت ثم أُنشر أحب إليّ من أن أفعل مثل هذا.

وقال أبو مسلم الخولاني: من نعمة الله عليّ: أنني منذ ثلاثين سنة ما فعلت شيئاً يُستحيا منه إلا قربي من أهلي.

وقال محمد بن سيرين: ما غشيت امرأة قط لا في يقظة ولا في نوم غير أم عبد الله, وإني لأرى المرأة في المنام فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري. حتى قال بعضهم: ليت عقلي في اليقظة كعقل ابن سيرين في المنام.

والحياء من الله يتضح معناه بشكل جلي في الحديث الذي رواه الترمذي وأخرجه الحاكم في صحيحه وأقره الذهبي، فالحديث له شواهد يتقوى بها – هكذا قال محقق جامع الأصول – وفيه : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "استحيوا من الله حق الحياء، قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس بذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا يعني : من الله حق الحياء"(2) .

 

يتبع أنواع الحياء

 


(1)  ينظر: البداية والنهاية لابن كثير 17/300.

(2)  صحيح الترمذي للألباني برقم ( 2458 ) .

 



بحث عن بحث