الحلقة (76) الحيـــــــاء

اسم الله الحيي الستير سبحانه جل جلاله (4- 32)

 

رابعاً: الآثار الإيمانية لهذين الاسمين:

الأثر الأول/ إثبات صفتي الحياء والستر لربنا جل وعلا: على ما يليق بجلاله وكماله إثباتاً من غير تمثيل له بخلقه، فحياء الله سبحانه حياء يليق بجلاله، ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، فالعبد يجاهر ربه بالعصيان، مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه، ويستعين بنعمه على معاصيه، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته، فيستره بما يهيئه له من أسباب الستر، ثم هو بعد ذلك سبحانه يغفر ويعفو.

إذن حياء الله صفة تليق بجلاله وهي على الحقيقة لا نمثل ولا نكيف ولا نعطل ولا نشبه، وهنا ينبغي التنبيه على تفسير بعض الأئمة رحمهم الله لحياء الله بأنه رحمته ومن ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله عند تفسيره لقوله صلى الله عليه وسلم  (فاستحيا الله منه) أي: رحمه ولم يعاقبه. وقال عند قوله (فأعرض الله عنه) أي: سخط عليه وهو محمول على من ذهب معرضاً لا لعذر، هذا إن كان مسلماً، ويحتمل أن يكون منافقاً ، واطلع النبي صلى الله عليه وسلم  على أمره، كما يحتمل أن يكون قوله "فأعرض الله عنه" إخبارًا أو إدعاء  (1) . ا.هـ

فغفر الله وعفا عن المحدث الحافظ ابن حجر رحمه الله حين قال: إن معنى استحياء الله منه هو أنه رحمه ولم يعاقبه.

وقد سار على ما شرحه ابن حجر بعض الشراح، وبعض المفسرين الذين فسروا الحياء لله بهذا المعنى، فنسأل الله تعالى لهم المغفرة والرحمة.

بل حياء الله لا يفسر بالرحمة والعفو، ولكن حياء الله صفة تليق به سبحانه لا تشبه حياء المخلوقين، فاستحياء الله صفة كمال لله، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا...) (البقرة:26).

قال الشيخ عبدالرحمن البراك: قوله: "فاستحياء الله منه أي رحمه" وقوله: "فأعرض الله عنه أي سخط عليه" : في هذا التفسير للاستحياء والإعراض من الله عدول عن ظاهر اللفظ من غير موجب، والحامل على هذا التفسير عند من قال به هو اعتقاده أن الله لا يوصف بالحياء أو الإعراض حقيقة؛ لتوهم أن إثبات ذلك يستلزم التشبيه، وليس كذلك, بل القول في الاستحياء والإعراض كالقول في سائر ما  أثبته الله عز وجل لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم  من الصفات ، والواجب في جميع ذلك هو الإثبات مع نفي مماثلة المخلوقات، وقد ورد الحديث : (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً).(2)  ا.هـ

فالناس يوم القيامة ثلاثة أقسام: قسم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب- جعلنا الله وإياكم منهم – وقسم يحاسبهم ربهم أمام الخلائق أجمعين، الأولين منهم والآخرين، وقسم يضع الله عليهم كنفه ، كما في الحديث في الصحيحين : " إن الله يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ويستره ، فيقول : أتعرف ذنب كذا : أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم أي رب ، حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه هلك ، قال : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ، فيعطى كتاب حسناته  "(3) .

والكنف صفة الله التي تليق به ومن آثارها الستر.


(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ( 1/157) .

(2) أخرجه أبو داود وصححه الألباني برقم ( 1488 ) .

(3) رواه البخاري  برقم  (  2441 ) .

 



بحث عن بحث