سلامة الصدر(3-3)

 

 

الأسباب المعينة على سلامة الصدر:

 1- الدعاء

فإنه من أعظم الأسباب لتحقيق المقصود ، وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم :(وأسألك قلبًا سليمًا)(1)، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم:(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).

2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل:
قال عمر: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.

وقال الشافعي: من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس.
ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك ،فقال الشافعي رحمه الله: لو قوى ضعفي لقتلني،قال الزائر :والله ما أردت إلا الخير،فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.

3- التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات: التمس لأخيك سبعين عذرًا. يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل :لعل له عذرًا لا أعرفه.

 يا أخي من المعصوم من الخطأ والزلات؟ قال بعضهم:الفتوة التجاوز عن زلات الإخوان.

- تذكَّر سوابق إحسانه فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته.

- استحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.

عن عباد بن شراحيل لما أصابته سنة – أي مجاعة – قال : [ قدمت مع عمومتي المدينة فدخلت حائطاً من حيطانها ، ففركت من سنبله – وفي رواية فأكلت وحملت في ثوبي - ، فجاء صاحب الحائط فأخذ كسائي وضربني ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعدي عليه ، فأرسل إلى الرجل فجاءوا به ، فقال ( ما حملك على هذا ؟) فقال : يا رسول الله إنه دخل حائطي ، فأخذ من سنبله ففركه , فقال رسول الله ( ما علمته إذ كان جاهلاً ، ولا أطعمته إذ كان جائعاً اردد عليه كساءه ) وأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوسق أو نصف وسق ] (2) .

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه  قال :[ مررت بعثمان بن عفان في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام ، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فقلت : يا أمير المؤمنين هل حدث في الإسلام شيء مرتين ؟ قال : لا ، وما ذاك ؟ قلت : لا إلا أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني ولم يرد علي السلام ، قال : فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه ، فقال : ما منعك أن لا تكون رددت على أخيك السلام ؟ قال عثمان : ما فعلت . قال سعد قلت : بلى . قال : حتى حلف وحلفت . قال : ثم إن عثمان ذكر فقال : بلى وأستغفر الله وأتوب إليه ، إنك مررت بي آنفاً وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله ، لا والله ما ذكرتها قط إلا تغشى بصري وقلبي غشاوة . قال قال سعد : فأنا أنبئك بها ؛ إن رسول الله ذكر لنا أول دعوة ثم جاء أعرابي فشغله حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته ، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض ، فالتفت إلي رسول الله قال ( من هذا أبو إسحاق ؟! ) قال قلت : نعم يا رسول الله . قال ( فمه ) قال قلت : لا والله يا رسول الله إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك . قال ( نعم ، دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ؛ فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) ] (3) .

4- ادفع بالتي أحسن.

ليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).

5- البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.

6- معاملة النمام بما يستحقه فهو[فاسق - هماز مشاء بنميم - بريد الشيطان].
7- الهدية والمواساة بالمال فإنها من دواعي المحبة.

8- الإيمان بالقدر ، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.

قال ابن القيم رحمه الله في الرضا: ( إنه يفتح للعبد باب السلامة، فيجعل قلبه نقياً من الغش والدغل والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم، كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا، وكلما كان العبد أشد رضاً كان قلبه أسلم، فالخبث والدغل والغش: قرين السخط، وسلامة القلب وبره ونصحه: قرين الرضا، وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط، وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا) (4).

9- البعد عن الجدل والمراء ، لما يترتب عليه من إيغال الصدور ، وبث المشاحنات والعداوات وحب الانتصار للنفس ، وتذكر قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :( أنا زعيمُ بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) (5)

10- أخيرا تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.
رزقنا الله وإياكم صدورا سليمة لا تحمل غلا ولا حسدا ولا حقدا


(1) أخرجه الحاكم ك الدعاء والتكبير والتهليل ح1872-1/688 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

(2) أخرجه أبو داود باب في ابن السبيل يأكل من التمر .. ح 2620-3/39 ، والنسائي واللفظ له باب الاستعداء ح 5409-8/240 ، وابن ماجه ح 2620-5/111 ، وأحمد ح 17556-4/166،   والحاكم ك الأطعمة ح 7182-4/148 وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، والوسق مقياس  ويقدر بـ ستون صاعاً . انظر النهاية 5/184 .

(3) أخرجه أحمد ح 1462-1/170 قال الأرناؤوط : إسناده حسن .

(4) مدارج السالكين 2/207.

(5) أخرجه أبو داود باب في حسن الخلق ح4802-4/400 وحسنه الألباني .

 

 



بحث عن بحث