الآداب عند الخلاف (4-7)

 

تقوى الله تعالى والحذر من الظلم والإنصاف ، وعدم إساءة الظن ، فأحياناً كثيرة يوقع الخلاف الإنسان في الظلم نتيجة الرغبة في التشفي والانتقام ، ولذلك أكّد الإسلام على مسألة العدل والحذر من الوقوع في الظلم والإنصاف من النفس والأقربين فقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )(1) ، وقال عليه الصلاة والسلام ( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار )(2).

ولقد ضرب لنا الصحابة رضي الله عنهم في ذلك أروع الأمثلة نقتصر على ذكر ثلاثة منها ؛ الأول لما وقعت حادثة الإفك سأل النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، فكان ممن سأل زينب بنت جحش ، قالت عائشة رضي الله عنهما ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يسأل زينب بنت جحش عن أمري ، فقال : يا زينب ما علمت ، ما رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت عليها إلا خيراً ، قالت : وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع )(3) .

والثاني أن سعداً وخالداً رضي الله عنهما كان بينهما كلاماً فذهب رجل يقع في خالد عند سعد ، فقال : مه ، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا(4).

والثالثة ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما صاحبكم فقد غامر "، فسلم وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي فأبى علي ، فأقبلت إليك ، فقال :" يغفر الله لك يا أبا بكر " ثلاثاً ، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر ؟ فقالوا : لا ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم ، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه ، فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها )(5).

                                                                    يتبع في الحلقة القادمة

 


(1) سورة المائدة آية 8 .

(2) أخرجه البخاري باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت ... ح6566-6/2555 .

(3) أخرجه البخاري باب تعديل النساء بعضهن بعضاً ح 2518-2/942 .

(4) انظر كتاب الصمت وحفظ اللسان لابن أبي الدنيا ص246 .

(5) أخرجه البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لو كنت متخذاً خليلاً ) ح 3461-3/1339 .



بحث عن بحث