فقه الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم (3-3)

الثالث: تعظيـم النـبي صلى الله عليه وسلم:

وتعظيمه واجب قال الله – تعالى - : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً )(1).

والتعزير: اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه مما يؤذيه .

والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يُعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار(2).

والتعظيم يقتضي ما يلي :

1- استشعار هيبته صلى الله عليه وسلم، وجلالة قدره، وعظيم شأنه ومكانته .

2-  التأدب عند ذكره صلى الله عليه وسلم، بألا يُذكر باسمه مجرداً؛ بل يُوصف بالنبوة أو الرسالة .

3- الأدب في مسجده، وكذا عند قبره، وهذا مُستفاد من النهي عن رفع الصوت بحضرته صلى الله عليه وسلم في قوله – تعالى -: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )(3).

       وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُلْزِمُ الناس بهذا الأدب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره ، فعن السائب بن يزيد قال : [ كنت قائماً في المسجد ، فحصبني رجل ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : اذهب فائتني بهذين ، فجئته بهما ، قال : مَن أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف  قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله!](4).

4- توقير حديثه صلى الله عليه وسلم والتأدب عند سماعه ودراسته ، وتقديمه على كل قول ورأي ، قال ابن القيم - رحمه الله -: [ ومن الأدب معه ألا يُستشكل قوله ، بل تُستشكل الآراء لقوله ، ولا يُعارض نصه بقياس ، بل تُهدر الأقيسة وتُلقى لنصوصه ، ولا يُحرف كلامه عن حقيقته](5) . وحدّث ابن سيرين - رحمه الله - رجلاً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: قال فلان وفلان كذا، فقال ابن سيرين: أُحدِّثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول قال فلان وفلان كذا وكذا ؟ والله لا أكلمك أبداً (6) .

        وقد كان لسلف الأمة وعلمائها مواقف تدل على أدب جم مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نقتصر على موقف واحد منها ، قال أبو سلمة الخزاعي : [ كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج يُحدث توضأ وضوءه للصلاة ، ويلبس أحسن ثيابه ، ويلبس قلنسوة ، ويمشط لحيته ! فقيل له في ذلك، فقال: أُوقر به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)إذا جلس جلس للحديث قعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار (8).

       ولكن يُحذر من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، ورفعه فوق منزلة النبوة، وإشراكه في علم الغيب ، أو سؤاله من دون الله ، أو القسم به ، وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال : ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )(9) .

     وقال ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله)(10).          

ولما همّت طائفة من الناس بالغلو فيه فقالوا: أنت سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا.قال لهم ( يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - عز وجل- )(11) .

وكذا حذر من أن يُتخذ قبره وثناً يعبد من دون الله، أو مسجداً، أو عيداً ، فقال - عليه الصلاة والسلام-: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )(12) يُحذِّرُ مما صنعوا(13) .


 


(1) - سورة الفتح آية 8و9 .

(2) - الصارم المسلول ص422.

(3) - سورة الحجرات آية

(4) - أخرجه البخاري باب رفع الصوت في المساجد ح 458- 1/179، الفتح 1/667.

(5) - مدارج السالكين 2/406 .

(6) - الدارمي 1/124 رقم247 .

(7) - الجامع للخطيب 2/34 .

(8) - الشفا 2/601 .

(9) - أخرجه البخاري باب كيف يستحلف ح 2533-2/951، ومسلم باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى ح1646-3/1267.

(10) - أخرجه البخاري باب ( واذكر في الكتاب مريم ...) ح 3261-3/1271 .

(11) - أخرجه النسائي في السنن الكبرى ذكر اختلاف الأخبار في قول القائل سيدنا وسيدي ح 10087-6/71 ، وأحمد ح 12573-3/153 قال الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم .

(12) - أخرجه البخاري باب النهي عن بناء المساجد على القبور ح 1265-1/446،  ومسلم باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ح529 -/376.

(13) - انظر في الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلمإضافة إلي ما سبق:  هذا الحبيب يا محب، للشيخ/ أبو بكر الجزائري، و حقوق النبي صلى الله عليه وسلمبين الإجلال والإخلال، إعداد فيصل البعداني، صادر عن مجلة البيان .

 



بحث عن بحث