فقه الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم (3-3)
إن الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم- لا يجب فقط على الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين عاشوا معه وصحبوه وإنما يجب الأدب على كل مسلم تجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة ويتمثل ذلك في عدة أمور هي ما يلي :
الأول: الإيمـان بالنـبي -صلى الله عليه وسلم-:
والإيمان به واجب قال –سبحانه-: ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا )(1) ،
والإيمان به يقتضي أربعة أمور هي : تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع .
1-تصديقه في كل ما أخبر من أمر الماضي أو الحاضر أو المستقبل قال –سبحانه-: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )(2).
ولقد ضرب أبو بكر في ذلك أروع الأمثلة حتى لُقَّب بالصديق ، تقول عائشة -رضي الله عنها-: ( لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى ، أصبح يتحدث الناس بذلك ، فارتدّ ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعوا بذلك إلى أبي بكر ، فقالوا : هل لك إلى صاحبك ، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال : أوَ قال ذلك ؟ قالوا : نعم ! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟! قال : نعم ! إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي الصديق )(3). وكان النبي -صلى الله عليه
وسلم - يدرك صدق إيمان أبي بكر وعمر به ويشيد بهما فقد قال يوماً لأصحابه ( بينما راعٍ في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها ، فالتفت إليه الذئب ، فقال له : مَن لها يوم السبع ليس لها راعٍ غيري ؟! وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها ، فالتفتت إليه فكلمته فقالت : إني لم أُخلق لهذا ، ولكني خُلقت للحرث ، فقال الناس : سبحان الله ! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإني أُومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب )(4).
2-طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وهذه الطاعة واجبة بأمر الله – تعالى- قال – سبحانه-: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم )(5) وجعل –سبحانه- طاعة نبيه طاعة له فقال: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله )(6) وتوعّد
من يعصه ويعص رسوله فقال: ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً )(7)وقال –سبحانه-: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(8)،بل إن
التسليم التام لأمره وارتفاع الحرج عن الصدر هو حقيقة الإيمان قال –سبحانه-: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )(9).
3-ألا يُعبد الله إلا بما شرعه -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )(10)، وقال -صلى الله عليه وسلم- ( مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )(11).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :[ فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب ؛ فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله ، وكل مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء ](12)، وقال - عليه
الصلاة والسلام-:(...فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)(13) .
والبدعة هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله –سبحانه- (14) .
يكتب هذه السلسلة
د. إلهام بدر الجابري
(1) - سورة التغابن آية 8 .
(2) - سورة النجم آية 3 .
(3) - أخرجه الحاكم باب أبو بكر بن أبي قحافة t ح4407- 3/65 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وصححه الألباني لشواهده في السلسلة الصحيحة ح 306.
(4) - أخرجه البخاري باب استعمال البقر للحراثة ح2199-2/818 .
(5) -سورة محمد آية 33 .
(6) - سورة النساء آية 80 .
(7) - سورة الجن آية 23 .
(8) -سورة الحشر آية 7 .
(9) - سورة النساء آية 65 .
(10) - سورة آل عمران آية 31.
(11) - أخرجه مسلم 2/1342 ح1718.
(12) -جامع العلوم والحكم 1/176 .
(13) - أخرجه أبو داود ك السنة باب في لزوم السنة ح6407-4/200 ، والترمذي ك العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة ح2676-5/44 ، وأحمد 4/126 ، والحاكم ح1/95 وقال صحيح ليس له علة ووافقه الذهبي .
(14) - الاعتصام للشاطبي المختصر ص7 .
|