الخلق مع الله تعالى ( 2-9)

أولاً : توحيد الربوبية

هو الإقرار الجازم بأن الله وحده رب كل شيء وخالقه ومليكه ، وأنه وحده المحيي المميت ، الرزاق ، المدبر ... الخ ، ويمكن تعريفه بأنه :

توحيد الله تعالى بأفعاله .

      ومما يدل على توحيد الربوبية ما يلي :

       1-  الفطرة : فالله عز وجل فطر خلقه على الإقرار بربوبيته ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )(1) ، فمهما عاند الإنسان واستكبر وأنكر ربوبية الله ، إذا أصابته ضائقة أو شدة دعا إلها واحداً سبحانه وتعالى ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )(2) .  وقال عليه الصلاة والسلام ( كل مولود يولد على الفطرة )(3) .

       2-  دلالة الخلق على الخالق :فإن هذه المخلوقات وما فيها من بديع صنع وحكمة تدل على أن لها خالقاً متصفاً بصفات الكمال(4) .

وقد ذكر سبحانه هذا الدليل القاطع في وقوله سبحانه ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ )(5) ، ولما سمع جبير بن مطعم رضي الله عنه -قبل إسلامه- رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآية قال : كاد قلبي أن يطير ، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي(6) .

هل الإقرار بتوحيد الربوبية وحده يكفي ؟

وهذا التوحيد أقره كفار قريش كما حكاه الله تعالى عنهم في قوله ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ )(7) .

لكن أشركوا مع الله عز وجل الأصنام وصرفوا لها بعض أنواع العبادة مع إقرارهم بتوحيد الربوبية فلم ينفعهم ذلك .

وإنكار وجود الله لا يقوى عليه أحد لمخالفته للفطرة السوية والعقل السليم ، إلا ما وقع من الملاحدة الذين يدعون أن الكون وُجد صدفة ، لكن تُوجد طوائف أخرى أشركت في توحيد الربوبية من وجه آخر حين اعتقدت أن هناك من ينفع أو يضر غير الله تعالى من ولي أو قبر أو ملك أو جان أو حجر ونحوه ، فصرفت له أنواعاً من العبادة من ذبح ودعاء وتوسل وطواف ونحو ذلك . أو اعتقدت أن أحداً غير الله يعلم الغيب من كاهن أو عرّاف أو منجم ونحوهم .

وبالجملة فإن كل من أشرك مع الله تعالى شيئاً في أفعاله من خلق أو ملك أو تدبير أو علم أو قدرة أو نفع أو ضر أو إحياء أو إماتة ونحو ذلك ، فهو مشرك في ربوبية الله ، فإن تقرب إلى ذلك الشيء بأي نوع من أنواع العبادة فقد أشرك أيضاً في توحيد الألوهية .


 

(1) سورة الروم 30 .

(2) سورة العنكبوت آية 65 .

(3) أخرجه البخاري ح1358-3/219 فتح الباري ، ومسلم ح2658-4/4047 .

(4) ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل ص147 وما بعدها عجائب مخلوقات الله تعالى تشهد أن لهذا الكون خالقاً متصفاً بصفات الكمال .

(5) سورة الطور آية 35 .

(6) أخرجه البخاري ك التفسير 6/49 .

(7) سورة العنكبوت آية 61 .



بحث عن بحث