1- الحث على ستر العورات وهذا من أول ما عني به الإسلام لما في كشفها والتساهل فيها من إثارة نزعات السوء، ونزع ثوب العفة، والولوغ في وحل الرذيلة، فحدد العورات للرجال والنساء، وما يأتون منها وما يذرون، عن جرهد الأسلمي -رضي الله عنه-  أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  مرّ به وهو كاشف عن فخذه، فقال له: (غط  فخذك، فإنها من العورة)(1)، وعن بهز بن حكيم -رضي الله عنه-  قال: قلت:يا نبي الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك) قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: (إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يراها) قال قلت: يا نبي الله، إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: (فالله أحق أن يُستحيا منه من الناس)(2).

 

وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)(3) فهنا جاوز رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  بموضوع الستر حدود الحلال والحرام إلى الكمال وابتغاء معالي الأمور، فهو أمر يحبه الله تعالى، وهو أحق بأن يستحيا منه من الناس، فلا تقف النفس عندئذ عند الحدود فتأتي ما حلّ كشفه من البدن وتستر ما حرّم، بل تسمو بعفافها وحيائها وسترها لتظفر بمحبة الله تعالى.

 

وليس هذا فحسب بل أرشد سبحانه عباده إلى أن المزيد من الستر يعني المزيد من التقوى من خلال عقد الصلة بين لباس الظاهر ولباس الباطن في قوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(4)، فكلاهما لباس ؛ هذا يستر عورات القلب والروح ويزينها بزينة الإيمان والحياء، والآخر يستر عورات الجسد ويزينه ويجمله بين الناس، وهما متلازمان ؛ فإذا زاد العبد تقى وإيمان زاد حياء وستراً، وكلما نقص ستره وحياؤه نقص تقواه ؛ فهذا الشيطان لم يبلغ مراده من آدم عليه السلام إلا حين عصى ربه وأكل من الشجرة فانكشف ستره وبدت سوأته قال سبحانه: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ...)(5)، وقال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا...)(6) فكانت أول فتنة للشيطان في اللباس.

 

 

 

 

 

 

(1)     أخرجه الترمذي ك الأدب باب ما جاء أن الفخذ عورة ح  2798 -5/111وقال: هذا حديث حسن، وصححه الألباني، وأحمد ح 15974-3/479، والدارمي ح2650-2/364.
(2)     أخرجه الترمذي ك الأدب باب ما جاء في حفظ العورة ح  2794 -5/110 وقال: هذا حديث حسن، وأبو داود باب ما جاء في التعري ح4017-4/40، وأخرجه البخاري مختصراً باب من اغتسل عرياناً ح20-1/107..
(3)     أخرجه أبو داود باب النهي عن التعري ح 4012-4/39، والنسائي باب الاستتار عند الاغتسال ح 406-1/200، وأحمد ح 17999-4/224 وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.
(4)     سورة الأعراف آية 26. وانظر كتاب لباس الرجل أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي 2/814.
(5)     سورة الأعراف من آية 20 إلى 22.
(6)     سورة الأعراف آية 27.

 



بحث عن بحث