هـــــدي الرســــــول صلى الله عليه وسلم في التوجيه والفتوى (9-14)

 

8 / إن تعذَّر تحقيق طلب السائل عرج به إلى ما هو خير منه ولا يردّه خاسرًا

من معالم شخصيَّة النُّبوة الكريمة سعةُ الجود والسَّخاء .. فحبُّ الخير خلقٌ أصيلٌ، وأدب مكين في هذه الطبيعة الكريمة السَّمحة، فما أتاه سائل علم أو طالب حاجةٍ إلا عاد غانمًا مسرورًا.. ومهما سُئل ما ليس عنده، وعزَّ عليه إسداؤه، لم يرده خائبًا كسير الفؤاد فقيد الفائدة لكن يمنحه خيرًا مما سأل .

ومن الآثار النَّدية مـن السُّنةِ الشَّريفة .. سؤالات فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنات عمه - رضي الله عنهن - شيئًا من الرقيق للخدمة فلا يجد ما يعطيهن، ويقول في روايات الحديث .. لفاطمة - رضي الله عنها -: « ألا أخبرك ما هو خير لك منه ؟!! ». يقول لها ولبنات عمه: «سأدلكم على ما هو خير لكن من ذلك » ويعلمهن ذكرًا جامعًا يغنيهن عما سألن، بله خيرٌ .. لهن مما سألن ؟!!

خير ... لأنه أرفع في ذاته عند الله وأنفع!

خير ... لأنه أنقى للحياة .. وأبقى في الآخرة !

خير ... بما يعقبه من مغفرة الله ورحمته ورضوانه وهو خيرٌ مما يجمعون .

خير ... لأن ذكر الله في الأسحار يلقي ظلالاً شذيَّة رفافة .. فهي الفترة التي يسكن فيها الجو ويرقّ ويهدأ .

وفي أدبار الصلوات ... حيثُ تباشر القلوب لذَّة السجود والمناجاة .

وتشفُّ فيها خواطر النَّفس وتصفو خلجاتها... وتكون أحرى لتدبُّر معاني الذِّكر، واعتبار مراميه .. من نزاهة التسبيح، ونداوة الحمد، ونقاء الشهادة، وتكبير الله عزَّ وجل .

هذه المعاني الزاخرة بالثناء والتوحيد .. والتحميد والتمجيد ... تنساب بانسجام تام مع صفاء الفطرة وحياة القلب .. وضعف الطبيعة البشرية وحاجتها الأبدية إلى حول الله وعونه وقوَّته فتعلي..... إيمانها .. وتؤيد أركانها .. وتبعث فيها الأنس والثقة والقوّة والأمان . (1)


(1) يراجع في ظلال القرآن (2/794).



بحث عن بحث