الخاتمـــــة

 

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده تعالى غاية الحمد، وأشكره على فضله الممتد، وإحسانه إليَّ من قبل ومن بعد ..

أحمد الله وهو الهمني الحـ     مد على المنِّ والمزيد لديه

أنا بالله وحده وإليه              إنما الخير كلّه في يديه (1)

فله جلَّ وعلا مزيد الشكر والذكر، هداني إلى مورد العلم، فانتهلت من معينه الجمّ، وأعانني على البحث فتمّ، أسأله تعالى كما يسَّر لي وصوله وإنهاء فصوله، أن يحقِّق لي قبوله، ويغفر خطأه وقصوره، وأصلِّي وأسلّم على خاتم الرسل، نبينا محمد، خير من استفتى وسئل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى هديه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

فقد آن لمرتاد واحة البحث أن يستروح في نسيمها العطر، وربيعها النضر، الذي دبَّجه صوبٌ من الذِّكر، وشريف الوحي والأثر، العذب كهتّان المطر !

بعد أن تنعّم بقطاف زهر الحديث المطهر البالغ عدده (100) حديثًا .

وتفتَّق عن تلك الدراسة من النتائج والفوائد نفحاتٌ شذية ودرر وضيئة تخيَّرت منها ما أطرِّز بها ذيل الكتاب.. وخاتمة البحث في الآداب :

· وقفنا في تلك الرياض الغنَّاء على لمحات نبوية توجيهية تربوية، كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يخاطب فيها النفوس والقلوب والمشاعر، ويعلِّمها بطريقته الفذّة، ومنهجه الفريد المهتدي بنور القرآن الكريم .

· تحلّى نبينا صلى الله عليه وسلم بالأدب الإسلامي الرفيع في معاملته الفضلى مع الناس عامة، وطالبي العلم والمستفتين خاصة، يستجمع مفاتيح القلوب، ثم يستودع فيها حكمته ورحمته، ويحيل غضب محدِّثه إلى سكينة واطمئنان، وجهله إلى نور وبصيرة، والهياج إلى وداعة واستقرار، والتبجُّح إلى حياء والبغض إلى محبة وشوق ورضى .. كل ذلك بنَّيةٍ خالصةٍ وبسمةٍ حانية وكلمة طيبةٍ، ونظرة هادئةٍ وشفقة تفيضُ بها جوانحه وتنطق بها ملامحه .

·تسخيرُ أساليب الفتوى والتَّعليم المتنوعة والملائمة، التي من شأنها أن تصقل مهارة المتلقِّي وتنقل الخبرة إليه، وترتقي بالوعي والفكر إلى آفاق العلم الرحبة وفضاءاته الفسيحة .

· لمسنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الزكية نموذجًا منهجيًا راقيـًا في الحوار الهادئ والنقد البنَّاء وحلِّ المشكلات.

· الفتوى شأنها عظيم، والمفتى موقِّع عن الله تعالى أحكامه، فينبغي للسائل التوثّق من مصدرها، وتحرِّي أهل العلم العارفين، المؤهلين للتصدّرِ لها، وينبغي للمفتي أن يعرف قدرها، ويتَّقي الله فيها ويحسن فهمها ويصدع بالحقِّ فيها .

· من فوائد الفتوى مراعاة الفروق الفردية في التَّعليم وسرعة الفهم، وبثِّ الروح التوَّاقة والهمة الوثَّابة للتزوُّد من العلم .

· المتأمل لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يفتي بها أصحابه يرى دومًا تلازمًا وثيقًا بين العلم وتزكية النفوس وإصلاح السرائر، وربط المتعلِّم بمآله الآخِر .

· اعتنى الحبيب صلى الله عليه وسلم بتهذيب الأخلاق، وترسيخ الآداب النبيلة، إلى جانب التّعلم واعتبرها أبرز المكوِّنات الأساسية في بناء الشخصية القويمة .

· تهدف التربية النبوية المتمثلة في الآداب القولية والعملية إلى تحقيق العبودية لله رب العالمين، فهي تهدي الفرد ليكون عبدًا صالحًا، مباركًا لأهله وخيرًا لأمَّته .

· الأحكام الشرعية والقيم الخُلقية لها أصداء واقعية في ميادين الحياة العملية، في إطار الطَّاقة والقدرة البشرية .

· الإيمان بكرامة المرأة، وأنها آية من آيات الله الحسنى، بما أودع البارئ فيها من أسرار المودّة والرحمة والسكن .

وهذه المنح الربَّانية تهيؤها لأداء دورها الكبير، ورسالتها المجيدة في الإحسان لزوجها وتربية أبنائها ورعاية أسرتها والنهوض بأمتَّها .

· الوفاءُ بحاجاتِ المرأةِ الماديَّة والمعنويَّة، وتوطينُ الروح العلمية، بالدروس والمواعظ والحكم السَّنيّة وتمكينها من الفتوى، واعتبار حريّة السؤال حقًّا مشاعًا لعامَّة النسَاء، لا حكرًا على الصفوة منهن .

· يجوز للمرأة المسلمة أن تفتي متى استوفت شروط الفتوى وهي العلم والعدالة، والقدرة على الاجتهاد .

·   اختلاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المسائل الشرعية والأحكام الفقهية تبعًا للاجتهاد واختلاف الفهم والاستنباط لم يكن ذريعةً لاستخفاف بالرأي وتعييرًا للمخالف وطعنًا في النّوايا، وتهكُّما على الأشخاص، بل كان محفوفًا بالأدلة والقرائن والبراهين، في جوٍّ لطيفٍ من الأدب والذوق وحسن المناظرة .

· يجوز للمرأة إبداء صوتها عند الأجانب، إذا احتاجت للسؤال والمقال مع مراعاة آداب الكلام .

وأخيرًا .. تمثلت لنا شخصية النبي صلى الله عليه وسلم المعلِّم القدوة والمفتي الأسوة، رسولاً ينفِّذ الوحي بكل أوامره، ويتلقَّاه بكل خصائصه .. يصغي إليه ويبلِّغه ..

تشرق روحه بالوحي .. وينادى من السماء .. ويعان على الشيطان .

وهو إنسان .. اكتملت طاقاته البشرية .. وسمت فضائله الخلقية .. غزير العاطفة .. حيي الطبع .. نيِّر العقل فسيح الأفق ..  تتوازن فيه كل هذه الطاقات بانسجام كتوازن الدين الذي أرسل به ..

ثم يجعل الله جلَّ وعزَّ حياته الخاصَّة والعامَّة كتابًا مفتوحًا لأمته .. والبشرية كلها.. تقرأ فيه صور الإيمان .. والعطاء .. والعدل .. والرحمة .. والصبر وحسن الخلق .. وحفظ أصحابه – رضي الله عنهم – أدقَّ تفاصيل هذه الحياة .. بل حياته اليومية داخل حجر نسائه .. وما يدور فيها من حوارات .. وانفعالات .. واستجابات .. ! وتوجيهات !

لقد عاش مع أزواجه وأصحابه وأمته .. بشرًا رسولاً كما خلقه الله تعالى .. حقًا.. إنها سيرة رائعة .. حافلة بالتهذيب والتربية والتعليم .. وصورة خالدة من حياة رجل عظيم .. !

يمارس إنسانيته في الوقت الذي يؤدي فيه رسالته .. فلا تفترق هذه عن تلك! بل تتكامل وتتناهى في نبيِّ كان خير الناس لهم وأرحمهم بهم وأعلمهم بدينهم .

نبي يحمل أمانة الدعوة والتعليم ومهمَّة الرسالة والإفتاء .. لينشئ أمَّة ربانية مجيدة (2)

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


(1) ديوان أبي العتاهية (ص 464) .

(2) يراجع : تفسير سورة التحريم لسيد  قطب (ص1190) .



بحث عن بحث