حديث (كم تجرُّ المرأة من ذَيْلِهِا )

 

عن أم سلمة قالت: سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  كم تجرُّ المرأة من ذَيْلِهِا؟ قال: «شِبْرًا » قلتُ :إذًا ينكشف عنها. قال: « ذراعٌ، لا تزيدُ عليهِ » . (1)

غريب الحديث:

ذَيْلِهَا: الذيل آخر كل شيء ومنه ذيل الثوب والإزار ما جُرَّ منه إذا أُسْبِل فأصاب الأرض.

وذيل المرأة كل ثوبٍ تلبسه ؛ إذا جرَّته على الأرض من خلفها (2)  .

شبرًا: الشِبْر (بالكسر) شِبْرُ الإنسان وهو مذكّر وهو ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخِنْصَر والجمع أشبار (3)  .

ذِرَاعٌ : الذِّراع؛ ذراع الإنسان، أنثى – وقد تذكّر (وهي ما بين طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى)، والذِّراع ما يذرع به الثوب ونحوه. والجمع: أَذْرُعٌ (4)  .

قال الشيخ زين الدين العراقي: الظاهر أن المراد بالذراع ذراع اليد وهو شبران (5)  . والذراع الشرعي أقصر من العُرْفي (6)  

من فوائد الحديث:

1/ تحلِّي نساء السلف - رضي الله عنهن - بخلق الحياء وشيمة العفاف، فكانت المبادرة منهن بسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ومراجعته في إسبال ذيل المرأة، رغبةً منهن في إسباغ الثياب وإرخاء الحجاب وستر العورة.

ونفورًا من دواعي الفتنة ومظاهر الزينة التي نُهي عنها في الخروج (7)  .

2/ فيه أن القدم عورة للمرأة، ولذا كان إسبال الثياب لسترها من الانكشاف (8)  فالأصل هو الستر لها وليس الجرّ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : هذا [الإسبال] ليس مُعَيَّنًا للسَّتر، فلو لبست المرأة سراويل، أو خفًا واسعًا صلبًا كالموق وتدلّى فوقه الجلباب بحيث لا يظهر حجم القدم لكان هذا محصِّلاً للمقصود (9)  .

3/ وفيه استحباب إسبال الثياب و العباءة للنساء.

قال ابن تيمية - رحمه الله - : إطالة الذيول للنساء سُنَّة. (10)

وقال النووي وغيره – رحمه الله -: أجمع العلماء على جواز الإسبال للنِّساء(11) . .

4/ القدر المستحب في إسبال الثياب هو الزيادة على حدِّ الكعبين بقدر الشبر والقدر الجائز ما زاد على حدِّ الكعبين بمقدار الذراع على أن الراجح في محل ابتداء الشبر من الكعب(12) .

- يؤكد ذلك ما فهمته أم سلمة (رضي الله عنها) من النهي العام والوعيد الشديد في كل إسبالٍ دون الكعبين، كما في الشاهد عن ابن عمر، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: « ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار » (13)  .

فسألت - رضي الله عنها - عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى إسباغ الثياب من أجل ستر العورة، فبين النبي صلى الله عليه وسلم  أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال، فيكون مقدار الشبر المستحب زيادته ابتداءً من الكعب، الذي جعل حدًّا للحكم الشرعي الذي ينتهي إليه الرجل ويمنع من تجاوزه فقدِّمت الحقيقة الشرعية على الحقيقة اللغوية اللفظية .

- يشهد لهذا ما روي عن أنس: « أن النبي شبر لفاطمة من عقبها شبرًا ».

والمعنى المقصود والمراد من جرِّ المرأة ذيل الثوب هو زيادة الستر (وليس الجر) وهو متحقق بلا شك بزيادة الشبر والذراع من العقب.


(1) رواه ابن ماجه – واللفظ له – (2692ح 3580) و الترمذي  (1829 ح 1732) و النسائي (2428 ح 5341)، و أبو داود (1523ح 4118) جميعهم عن أم سَلَمة حدَّثتهم « أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم  شَبَر لفاطمةَ شِبْرًا من نطَاقِها ». وللحديث شاهد عن ابن عمر (رضي الله عنه):

رواه معمر بن راشد في جامعه (ص82) عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : « مَنْ جَرَّ ثوبهُ من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ». فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء يا رسول الله بذيولهن؟ قال: « يرخين شبرًا » قالت: إذًا تنكشف أقدامهن ، قال: « فيرخينه ذراعًا ولا يزدن عليه » ومن طريقه رواه الترمذي (1829 ح 1731) والنسائي (2428 ح 5338) وأحمد في مسنده (2/18) بسنده عن ابن عمر قال: «رخصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأُمَّهاتِ المؤمنينَ في الذَّيْلِ شِبْرًا، فاسْتَزَدْنَهُ فزادَهُنّ شِبرًا آخرَ فجعلنَهُ ذِرَاعًا ، فَكُنَّ يُرسِلْنَ إِلينَا نَذْرعُ لهنّ ذراعًا ».و رجال إسناد المتن ثقات، قال الترمذي – رحمه الله -: هذا حديث حسن صحيح و قال المناوي - رحمه الله -: إسناده صحيح. والشاهد عن ابن عمر – رضي الله عنه – صحيح أيضًا .

(2) لسان العرب (11/260)

(3) معجم مقاييس اللغة ص (525)، لسان العرب (4/391)، مقدمة الفتح ص (206).

(4) معجم مقاييس اللغة ص (364)، لسان العرب (8/93)، مختار الصحاح (ص93) .

(5) عمدة القاري (21/297).

(6) تحفة الأحوذي (5/332).

(7) يراجع: مجموع الفتاوى (22/147، 148)، والدرر السنية (15/250).

(8) ينظر: التمهيد (24/148)، شرح الزرقاني (4/347).

(9) مجموع الفتاوى (22/148).

(10) شرح العمدة (4/369).

(11) المنهاج (14/288)، وينظر: التمهيد (24/149)، إكمال المعلم (6/598)، عمدة القاري (21/297)، نيل الأوطار (2/112)، شرح العمدة (4/369)، وينظر مجموع الفتاوى (22/115).

(12) ينظر: التمهيد (24/148)، شرح العمدة (4/369)، فتح الباري (10/318)، فيض القدير (3/568)، سبل السلام (4/158)، غذاء الألباب (2/232)، شرح الزرقاني (4/346)، تحفة الأحوذي (5/332)، بذل المجهود في حل أبي داود (16/448) .

(13) رواه البخاري (494ح 5787).

 

 



بحث عن بحث