حديث (  إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي...)

 

 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي ؟ قَالَ : « إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا ». (1)  

من فوائد الحديث :

1/ الترغيب في الإحسان إلى الجار وحسن العهد به وبذل المعروف إليه ودفع الأذى عنه وصيانة حرمته .

وهذا من مكارم الأخلاق وكمال الإيمان، ويشمل جميع وجوه الإكرام وإرادة الخير له وموعظته بالحسنى وأمره بالمعروف والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار به حسِّـيَّـًا كان أو معنويًا. قال تعالى:( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً )   (2) .

وعن عائشة – رضي الله عنها - قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «ما زال جبريل يوصي بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه » (3) .

وهنا تنبيه لطيف وهو أنه أمر بإكرام الجار مع الحائل بين الإنسان، وبينه، فينبغي أن يراعى حق الحافظين اللذين ليس بين العبد وبينهما جدار ولا حائل فلا يؤذيهما بالمخالفات والمنكرات، ويراعي إكرامهما بكثرة الطاعات والحسنات (4)

2/ الوصيَّةُ ببذلِ الهديَّة إلى أقرب الجيران منزلة، لما يترتَّب عليها من توثيق المحبَّة وحُسن العشرة واستلال السَّخيمة والنّفرة، وتفضيل الجار الجنب على غيره لأنه قد يتأذى بقَتار قدر جاره ، أو بضجيج أطفاله، كما أنه يرى ما يدخل بيت جاره من هديَّة وطعام نحوه، فيتشوف لها، بخلاف الأبعد .

وهو الأقرب إجابةً لما يقع لجاره من المخاطر، خاصَّةً في أوقات الغَفْلة والغِرَّة .

فلذلك بَدَأ به على من بَعُد بابه، إذ لا يقدر على شمول جميعهم بالهدية، وأمَّا مع السَّعةِ وكثرة ما يهدي فيصلهم ويعمهم بمواهبه (5)  .

3/ قال بعض العلماء: الإهداء إلى الأقرب مندوب إليه، لأن الهديَّة في الأصل ليست واجبة، فلا يكون الترتيب فيها واجبًا (6) .

4/ اختلف أهل العلم في حد الجوار، فقيل من صلى الصبح في المسجد فهو جارٌ. وقيل من سمع النداء فهو جارٌ .

قال الشافعي – رحمه الله -: أقصى الجوار أربعون دارًا من كل ناحية، وهو مذهب الأوزاعي وابن شهاب، والحسن البصري ويروى عن عائشة –رضي الله عنها- (7) .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: « أوصاني جبريل –عليه السلام- بالجار إلى أربعين دارًا عشرة من ههنا وعشرة من ههنا وعشرة من ههنا وعشرة من ههنا » قال البيهقي: وفي إسناده ضعف(8) .

وروي عن كعب بن مالك قال: « أتى النبي صلى الله عليه وسلم  رجلٌ فقال: يا رسول الله إني نزلت في محلة بني فلان وإن أشدهم لي أذىً أقربهم منِّي جوارًا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبا بكر وعمر وعليًا يأتون المسجد فيقومون على بابه فيصيحون ثلاثًا إلا إن أربعين دارًا جار ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه » (9) ، وإسناده ضعيف (10) .

والمعروف ما رواه أبو داود في مراسيله (ص257) عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الساكن من أربعين دارًا جار ».

قال ابن العربي – رحمه الله - : وهذه دعوى لا برهان عليها والذي يتحصل عند النظر أن الجار له مراتب: الأولى الملاصقة. والثانية: المخالطة؛ بأن يجمعهما مسجد أو مجلس، ويتأكد الحق مع المسلم ويبقى أصله مع الكافر (11).


(1) صحيح ، رواه البخاريُّ – واللفظ له - (204 ح2595) و (509 ح6020)، (175 ح2259).

(2 ) سورة النساء، الآية: 36 .

(3) متفق عليه، رواه البخاري (509 ح6014)، و مسلم (1136 ح2624) بلفظ: « مَا زَالَ جبرئيلُ يُوصِيني بالجار حتَّى ظننتُ أَنَّهُ لَيُوَرّثَنَّه ».

(4) ينظر: تفسير القرطبي (5/184)، جامع العلوم والحكم (ص138)، فيض القدير (3/366)، شرح الزرقاني (4/385) .

(5) ينظر: تفسير القرطبي (5/186)، شرح الكرماني (21/176)، فتح الباري (10/548)، عمدة القاري

(22/112)، إرشاد الساري (13/46)، فيض القدير (1/245)، شرح الزرقاني (4/385)، سبل السلام (4/166)، نيل الأوطار (6/328) .

(6)  فتح الباري (10/548) .

(7)   ينظر: الأم (4/97)، المحلى (9/101)، تفسير القرطبي (5/185)، جامع العلوم والحكم (ص139)، الفتح (10/548)، فيض القدير (2/261)، سبل السلام (4/166)، والتمهيد (21/41) .

(8)  رواه البيهقي في سننه (6/276 ح 12392) .

(9)  رواه الطبراني في الكبير (19/73 ح143) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/169): فيه يوسف بن السفر وهو: متروك .

(10) قال ابن حجر: وما قال الشافعي: الجوار إلى أربعين دارًا بعيد وما يروى فيه ضعيف. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/189)، تلخيص الحبير (3/93) كشف الخفاء (1/392) .

(11) عارضة الأحوذي (8/124)، شرح الزرقاني (4/385) .

 



بحث عن بحث