حديث (أَيُّ النَّاس أَعْظَمُ....)

 

عَنْ عَائشَة قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  أَيُّ النَّاس أَعْظَمُ حَقًا عَلَى المَرْأَةِ ؟ قَالَ: «زَوْجُهَا ».

قُلْتُ: فَأَيُّ النَّاس أَعْظَمُ حَقـًا عَلى الرَّجُلِ ؟

قَالَ: « أُمَّهُ ». (1)  

من فوائد الحديث :

1/ التأكيدُ على عظم حقِّ الزوج، والحثُّ على ما يجب من طاعته وبرِّه، والتودّد إليه ورعاية حرمته والحذر من عصيانه وخيانته وجحود نعمته .

عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: « لَو كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ، لأَمَرْتُ المرأةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجَها » (2) .

وهذا غايةٌ في المبالغةِ لوجوب طاعة الزوج والتذلِلُّ له وتحصيل مرضاته، فإن السَّجدة لا تحل لغير الله سبحانه. وقد قرن حق الزوج على زوجته بحق الله لعظم شأنه وأن التقصير فيه يُفضي إلى التهاون بحق الله تعالى (3) .

2/ وفيه أنَّ حقَّ الزوج على زوجته أعظمُ من حقِّها هي عليه، فله الطاعة والقوامة وحسن التَّبعُّل  ، قال تعالى:  

 (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) (4) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ليس عَلى المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حقِّ الزوج.ا.هـ (5).

3/ تفضيلُ الأُمِّ في البرِّ والإحسان والصِّلة وحسن الصحبة، على الأب، وحقُّها في الآكدية فوق حق الأب ولها النصيب الأوفر فيه؛ – خاصّةً عندما يتعذر الجمع وتتزاحم الحقوق- لما قاسته من المتاعب والشدائد في الحمل والولادة والرضاعة والحضانة، فهذه تنفرد بها الأم، ثم تشارك الأب في التربية، ولأنها أرقّ وأشفق وألين قلبًا فهي بمزيد البر أحقّ(6) ؛ جزاءً لمعروفها وفاءً لحقها وإن كان الله قد جمع بينهما في الوصية .

قال تعالى:  (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) (7)  

وفي الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ، يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أحقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟!

قال: « أُمَّكَ ». قالَ: ثمَّ مَنْ ؟قال: « أمُّكَ ». قالَ: ثُمَّ مَنْ ؟قال: « أُمَّكَ ». قالَ: ثمَّ مَنْ ؟ قَالَ: « أَبُوكَ » (8) .

قال القاضي عياض – رحمه الله -: ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل على الأب في البر، ونقل غيره الإجماع على هذا، وقال ابن حجر – رحمه الله -: وتقديم الأم: هو الصواب  (9) .

4/ طاعةُ المرأة الزوجَ والقيامُ بحقَّهِ لا يُنَافي معنى البرِّ والإحسان إلى الوالدين؛ إلا إذا حصل الضَّرر للوالدين، فإنه حينئذٍ يقدّم حقُّهما على حقِّ الزوج، لصونهما ودفع الأذى عنهما (10) ، قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً{23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً )  (11) .

قال القاضي عياض – رحمه الله -: ولا خلاف أن الآباء والأمهات آكد حرمةً في البرِّ ممن عداهما (12)


(1)  رواه النسائي (5/363 ح9148)والحاكم في المستدرك، (4/193ح 7338 ) و قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص. وقال المنذري: إسناد البزّار حسن . الترغيب والترهيب (2/34)، ولم أقف على إسناد البزار في كتاب البر الزخار ولعله حسَّنه لأنه من طبقة التابعين، وبعض أهل العلم جرى على تحسين المجاهيل من كبار التابعين إذا روى عنه الثقات.

حاصل القول أن رجَاله ثقاتٌ إلاّ أبا عُتْبَة مجهولٌ، وهو سبب ضعفه كما قال الهيثمي: فيه أبو عتبة لم يحدِّث عنه غير مسْعَر وبقية رجاله رجال الصحيح . ينظر: معجم مصطلحات الحديث (ص356) .مجمع الزوائد (4/309)

(2)  رواه الترمذي (1765 ح1159) قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حسن .

وله شاهد رواه الحاكم في المستدرك (2/204 ح2763) في حديث له قصة، وفيه: « لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من حق» وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .وقال الهيثمي : إسناده حسن. مجمع الزوائد (9/7) .

(3)   تحفة الأحوذي (4/271)، وينظر فتح الباري (1/113) .

(4) سورة البقرة، الآية: 228 .

(5)  مجموع الفتاوى (32/ 275) .

(6)     ينظر: أدب الدنيا والدين (ص126)، فتح الباري (10/492)، إرشاد الساري (13/5)، فيض القدير (2/5) .

(7)  الأحقاف : 15 .

(8)  رواه البخاري (506 ح5971) ، و مسلم (1124 ح2548) .

(9)  ينظر: إكمال المعلم (8/5)، المنهاج (16/318)، شرح الأبيّ والسنوسي (7/2)، فتح الباري (10/492) فيض القدير (2/196)، سبل السلام (4/165) .

(10)   ينظر: المحلى (10/331، 3329)، سبل السلام (4/165)، والبرُّ : هو مراعاة الحقوق الواجبة والقيام بها على الوجه المأمور به، وهو ثاني التوحيد . عارضة الأحوذي (8/92)، (8 و93) .

(11)   سورة الإسراء، الآيتان: 23، 24 .

(12)   إكمال المعلم (8/5)، المنهاج (16/318)، شرح الأبّي (7/3) .

 



بحث عن بحث