حديث (خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ)

 

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ».

قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الآْنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ .(1)  

 

الصَحابيّة :

هي امرأة من الأنصار. لم أقف على من عيَّنها (2) .

غريب الحديث :

ضَجِرَتْ : الضاد والجيم والراء أصل صحيح يدل على اغَتمام بكلام ، وضَجِرت الناقة: كثر رغاؤها (3)  

وفلان ضَجِرٌ معناه : ضيّق النَفس، من التَّضَجُّرِ وهو التبرُّم، والقلق من الغمّ (4)

 

من فوائد الحديث :

1/ النهيُّ عن لَعْنِ البهائم، ويلحق بها غيرها من المتاع والمنافع، وما ليس أهلاً له صيانةً لمنطق العبد عن بذئ الأقوال وما يجر الآثام، وحذرًا أن يستجاب له فيحرم خيرها ويمنع بركتها، ويعود وبال لعنته عليه، كما جاء في الحديث: «مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتْ اللّعْنَةُ عَلَيْهِ »(5) .

2/ الترغيب في الرفق بالحيوان، والإحسان إليه والبعد عن أسباب الإساءة والأذى بالقول والفعل.

3/ الحث على مباعدة الطيب عن مصاحبة الخبيث الملعون، إلاّ على وجهٍ يسلمُ فيه من عذاب الله وسخطه؛ وأقلُّه أن يكون المصاحِب منكرًا للمعصية، ماقتًا لفاعلها شائنًا ما هو عليه بحسب الإمكان.

ألا ترى لتلك الناقة البكماء، الذليلة، المسخرة لنقل المتاع وحمل الأثقال، كيف أصابتها دعوة ليست لها بأهل دفعت النبي صلى الله عليه وسلم  إلى الإنكار على اللاعنة، وإقصاء ناقتها، ونزع ما عليها من متاع، وإعرائها فلا تركب؛ إشفاقًا على نفسه وأصحابه – رضي الله عنهم - .

فعجبًا لمن يخالط رفقاء السوء وأصحاب المعاصي كيف يأمن العقوبة العامة والعذاب الشامل(6) !

4/ قال ابن القيمّ – رحمه الله - : إرسال الناقة عقوبة لتلك المرأة، لئلا تعود لمثل قولها وتلعن ما لا يستحق اللعن (7) .

وقد نهيت قبل عنه فاستعمل فيها معنى اللعنة اللغوية وهي الترك والإبعاد والخروج عن الملك (8) .

والعقوبة في المال لمصلحة التأديب ونحوه مشروعة بالاتفاق (9)

5/ بيان شؤم المعصية ، والعاقبة الأليمة على الخطيئة في الدنيا قبل الآخرة، فهذه الكلمة السيئة المدعوِّ بها على دابَّة عجماء لا تكليف عليها ولا ذنب عادت على قائلهَا بالحرمان من منافعها (10) .

6/ قال النووي –رحمه الله-: المراد النهي عن مصاحبة تلك الناقة في الطريق .

وأما بيعها، وذبحها، وركوبها، في غير مصاحبته صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة قبل هذا فهي باقية على الجواز، لأن الشرع إنما ورد بالنهي عن المصاحبة، فبقي ما سواه كما كان . ا. هـ (11)


(1)  رواه مسلم (ص1131 ح2595) وأبو داود (1413 ح2561) بلفظ: « أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  كانَ في سَفَرٍ فسمعَ لعْنَةً » فقال: «مَاهذِه؟ » قالوا: هذهِ فلانةُ لَعَنَتْ رَاحلَتَها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : «ضَعُوا عَنْها فَإِنَّها مَلْعُونَةٌ»، فوضعوا عنها ،قال عمران: فكأنيِّ أنظر إليها نَاقةً وَرْقَاءَ و رواه النسائي (5/252 ح8816) .

(2)  قال أبو ذرّ : لا أعرف السَّفرة ولا المرأة. تنبيه المعلم (ص431) .

(3)  معجم مقاييس اللغة (ص586) .

(4)  لسان العرب (4/ 481)، مختار الصّحاح (ص158) .

(5)  رواه الترمذي (1850 ح1978) بسنده عن ابن عباس: أن رجلاً لعن الرِّيح عند النبي صلى الله عليه وسلم  فقال له: «لا تَلْعَنِ الرِّيحَ فَإِنَّها مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْل رَجَعَتْ اللَّعنَةُ عَلَيْهِ ». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعلم أحدًا أسنده غير بِشْر بنِ عُمرَ [الزهراني]، قال الحافظ ابن حجر: وهو ثقة، وقال المنذري: احتج به البخاري ومسلم ولا أعلم فيه جرحـًا. ورواه أبو داود (1583 ح4908) .

(6)  ينظر : مجموع الفتاوى (15/324)، وعون المعبود (7/165) قال أبو الطيب: زعم بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم  إنما أمرهم بذلك فيها لأنه قد استجيب لها الدعاء عليها باللعن، واستدل على ذلك بقوله: «فَإِنَّها مَلْعُونَةٌ» و «عَلَيْها لَعْنَةٌ ».

وروى أحمد (2/428) مرفوعا "كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  في سَفَرٍ يَسير فَلَعَنَ رجلٌ ناقةً، فَقَالَ: « أين صاحب الناقة؟ » فقال الرجل: أنا، قال: « أَخِّرهَا فَقَدْ أُجِبْتَ فيْهَا ».قال المنذري: إسناده جيد، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .

الترغيب والترهيب (3/314)، مجمع الزوائد (8/80) .

(7) حاشية ابن القيمّ (7/165) .

(8) إكمال المعلم (8/68)، المنهاج (16/363)، والأحاديث في الزجر عن اللعن كثيرة منها ما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم  : « لاَ تَلاَعَنُوا بِلَعْنَةِ اللهِ .. » وروى (ح4905) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنَّ العَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيئًا صعِدَتْ اللّعْنَةُ إلى السَّمَاء فَتُغْلَقُ أَبْوابُ السَّماء دُونَها، تَهبِطُ إلى الأرْضِ فتُغْلَقُ أبوابُها دونها، ثم تأخُذُ يمينًا وشِمَالاً فَإِذَا لم تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعتْ إلى الذيْ لُعنَ فَإِنْ كانَ لذلكَ أهْلاً وإلا رَجَعتْ إِلى قائلها » . قال الحافظ ابن حجر: إسناده جيد.فتح الباري (10/572) .

(9)  ينظر: حاشية ابن القيم (7/165)، وعون المعبود (7/165) .

(10)  ينظر: إكمال المعلم (8/68)، معتصر المختصر (2/331- 332) .

(11)  المنهاج (16/364) .

 



بحث عن بحث