حديث (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ)

 

  عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي ضَرَّةً فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ». (1)

 

السائلة :

قال أبو ذرٍّ: هي أسماء بنت أبي بكر الصّديق، وزوجها الزبير، وضرّتها – في حفظي – أنها: أم كلثوم بنت عُقْبة بن أبي مُعَيطٍ (2) .

غريب الحديث :

ضَرَّةً : الضاد والراء المشددة ثلاثة أصول و المراد هنا خلاف النفع ، والضَّرّة: اسمٌ مشتق من الضَّرر، كأنها تضرُّ الأخرى كما تضرُّها تلك والجمع ضرائر (3) .

المُتَشَبّعُ :المعنى المتكثِّر بما ليس عنده وهذا مَثَلٌ؛ كأنه أراد: أنه يُظهر شِبَعًا وهو جائع (4) .

ويتزيّن بالباطل كالمرأة تكون للرجل ولها ضرّة فَتَدّعي من الحضوة عند زوجها بأكثر مما عنده لها تريد بذلك غيظ صاحبتها وإدخال الأذى عليها مثل أن تقول: أُعْطِيتُ كذا، لشيءٍ لم تُعطَهُ (5) .

ثَوْبَي زُورٍ :

الزاء والواو والراء أصل واحد يدل على الميل والعدول، من ذلك الزوُّر: الكذب، لأنه مائل عن طريق الحق (6) .

وشَبَّه بلابس ثوبي زور أي ذي زور، وهو الذي يزوّر على الناس بأن يتزيّا بزيّ أهل الزهد رياءً، وأضاف الثوبين إلى الزور لأنهما لبسا لأجله فأضيفا إليه، والمراد بتثنية الثوب التشبيه بالحالين اللذين ارتكبهما واتصف بهما :

أحدهما : اتصافه بما ليس فيه وأخذه ما لم يأخذ .

والآخر: الكذب على المعطي وهو الله تعالى أو الناس.

والثوب يطلق على الصّفة المحمودة والمذمومة فيصح التشبيه في التثنية لأنه شبه اثنين باثنين واللهُ أعلم (7).

من فوائد الحديث :

1/ فيه تنفير المرأة عما ذكرت من التزوير لما فيه من الكذب والإفساد بين زوجها وضرتها، مما يورث البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه (8) .

2/ تحريم التزوير في الأقوال والأفعال، والاتصاف به إما بدافع الشهوة أو الشبهة (9) .

3/ البلاغة النبوية في الإجابة اللطيفة، وذلك باستخدام أسلوب الوصف بالمثل، والكفِّ عن لوم السائلة وعتابها واستنكار سؤالها (مباشرةً)؛ تقديرًا للعاطفة الملتاعة، والمشاعر الملتهبة لوجود الضرَّة.

4/ من اكتسى ثوب صدقٍ، ولباس تقوىً كان راضيًا بما رزقه الله وقسم له، شاكرًا لأنعُمِه، مستقيمًا على دينه، ومن تزيَّا ثوبًا مُعارًا، وانتحل أوصافًا رياءً فأحسنُ أعماله ذنبٌ، وأصدق أحواله زور، وأصفى قصوده رياء (10) .

5/ الحكمة من قوله صلى الله عليه وسلم  : « كلابس ثوبي زور » الإشارة إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه، وهو وصف قبيح يعم فاعله ويلزمه (11).

أو أنه ذكر الثوبين كناية عن حاله ومذهبه، والثوب في ذلك مَثَل والعرب تكنّى بالثوب عن حال لابسه فيقال للرجل إذا وصف بالبراءة من العيوب أنه طاهر الثوب نقيّ الجيب، ويقال في ضده لبس ثوب غدر، والمعنى أنه بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن .

الوجه الثالث : أن يراد به الثوب نفسه، فيكون الرجل في الحي ذو هيئة وحسن مظهر، فإذا احتيج إليه في شهادة زور شهد بها، فلا يرد لأجل هيئته وحسن ثوبه، فأضيفت شهادة الزور إلى ثوبه إذ كانت بسببه (12) .

6/ قال ابن القيّم – رحمه الله - : أقسام الخلق إزاء النعم ثلاثة :

· شاكرها المثني بها .

· جاحدها الكاتم لها .

· المظهر أنه من أهلها وليس كذلك، فهو متحلٍ بما لم يعط، فالأول شكر والثاني كفر والثالث رياء وزور (13) .

7/ سموّ الإسلام بأبنائه عن المظهرية الجوفاء، والتفاخر زورًا وادّعاء، وتربية سرائرهم على الصفاء والنَّقاء في السَّرَّاء والضَّرَّاء .

8/ على المرأة اللبيبة أن تتيقّن بأن ما تسمعه من حديث بعض النساء في مجالسهن من ادّعاء الرفاهية ودلال الأزواج والتشبّع بالنّعم إنما هو مباهاة ومبالغات لا حقيقة لمعظمها، ومواجهة هذا التمدّح باللامبالاة يمنع ترسّبها في قرارة النفس، فلا تحتقر المرأة (السامعة) نعمة زوجها وإحسانه، ولا تطالبه بما عند فلانة من حظوظ الدنيا المزعومة .


(1) متفق عليه رواه البخاري (451 ح5219) ورواه مسلم (1058 ح2130) .

(2)  تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم (ص365) .

(3)  معجم مقاييس اللغة (ص574) .

(4) معجم مقاييس اللغة (ص526) .

(5)  لسان العرب (8/172)، مختار الصحاح (ص138)، الغريب لابن سلام (2/253)، النهاية في غريب الحديث (1/228) .

(6) معجم مقاييس اللغة (ص443) .

(7)  الغريب لابن سلام (2/253)، الفائق (2/217)، النهاية في غريب الحديث (1/228) .

(8) فتح الباري (9/397) .

(9) ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (ص183) .

(10)  ينظر: مدارج السالكين (2/283) .

(11)  ينظر: فتح الباري (/397) .

(12)   ينظر: شرح ابن بطال (7/346- 347)، أعلام الحديث (3/2022)، إكمال المعلم (6/660)، المنهاج (14/336- 337) .

(13)   ينظر: مدارج السالكين (2/248) .

 



بحث عن بحث