حديث (لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ)

 

 

عن أُمَّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمْ غَدًا الطَّائِفَ، فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ».

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ [البخاري] – رحمه الله -:

تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ، يَعْنِي عُكَنَ بَطْنِهَا، فَهِيَ تُقْبِلُ بِهِنَّ، وَقَوْلُهُ: وَتُدْبِرُ بِثَمَان:ٍ يَعْنِي أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الأْرْبَعِ لأنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ، وَإِنَّمَا قَالَ: بِثَمَانٍ وَلَمْ يَقُلْ: بِثَمَانِيَةٍ، وَوَاحِدُ الأْطْرَافِ وَهُوَ ذَكَرٌ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: بثَمَانِيَةِ أَطْرَافٍ. (1)  

 

غريب الحديث :

مُخنّثٌ : الخاء والنون والثاء، أصلٌ واحدٌ يدل على تكسُّرٍ وتثنٍّ (2) .

وسمِّي به المخنَّثُ؛ لتكسّره وانعطافه وتخلُّقه بخلقِ النِّساء ، وسميت به المرأة لأنها ليِّنة تتثنى (3) .

ابنة غَيْلاَن :

هي بَاديَة بنت غَيْلان بن سَلمة الثَّقَفي (4) .

عُكَن : أصل صحيح يدل على ضمِّ شيء إلى شيء واجتماعه (5)  وتراكمه وتثني بعضه على بعضٍ، والعُكَنُ : جمع عُكْنَة، ويجمع أيضًا على أَعْكَان وهو : الطيُّ في بطن الجارية من السّمَنْ (6) .

من فوائد الحديث :

1/ غَيْرةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم  على أزواجه ونساء المسلمين وصيانته لحرمات بيته، وحفظ عوراتهم، وهذه الغيرة محمودة مطلوبة شرعًا وعرفًا (7) .

2/ المراد بالمُخَنّث (بفتح النون وكسرها والفتح أشهر) من يشبه النساء في نعومة خلقتهن وتثني حركاتهن، وتغنج كلامهن .

فإن كان من أصل الخلقه، لم يلم عليه ولم يعاقب، وعليه أن يعالجه ويتكلف إزالته، وإن كان بقصدٍ وتكلُّف فهو المحظور الملعون فاعله .

عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال: « لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  المُتَشَبِّهيْنَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ.. »(8) الحديث. ويدخل فيه محاكاتهن في اللباس والزينة. ووجه اللعن؛ محاولة تغيير الهيئة التي فضّله الله تعالى بها، وربما جره هذا التخنُّث إلى عاهة الفاحشة، ومستنقع الرذيلة، وحينئذٍ تؤد معاني العفة والحياء والرجولة (9)  .

3/ الراجحُ أن المخنث المذكور؛ اسمُهُ « هِيْت » بتحتيّة ساكنة، ومثناة فوقية، وهو مولى عبدالله بن أبي أمية المخزومي، كان يعدُّ من « غيرِ أولي الإربة » الذين لا فهم لهم ولا شهوة، فيباح لهم رؤيةُ النساءِ ودخولُ البيوت للاستطعام ونحوه .

قال تعالى : {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31 (10) .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: وهو من المخنثين، ولم يرم بالفاحشة الكبرى إنما كان تخنيثه لينًا في القول وخضابًا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء ولعبًا كلعبهن(11) .

4/ إخراج النبي صلى الله عليه وسلم  لذلك المخنثٌ من بيته ونفيه من المدينة تعزيراً ؛ لمعانٍ ثلاثة :

1- للمعنى المتقدم؛ أنه محسوب في غير أولي الإربة، فظهر للنبي صلى الله عليه وسلم  خلاف ذلك .

2- إقدامه على وصف النساء ومحاسنهن وعوراتهن والتشهير بأسمائهن بحضرة الرجال ، مما يهيج القلوب ويحرك الشهوات، ويسقط معنى الحجاب .

3- تفطُّنه إلى ما لمحه من مفاتن النساء وتغزُّله الفاحش بها ودقة تصويره لما يرغب فيه غالب الرجال في الزوجات والجواري، من امتلاء البدن وغير ذلك(12) . مما قد لا ينتبه إليه كثير من النساء، ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم  : « لَقَدْ غَلْغَلْتَ النَّظَرَ، عَدُوَّ اللهِ»(13) .

5/ موقفنا ممن يدعو إلى المنكر ويجاهر بالمعاصي ويفاخر بها ويشيع الفساد بين المسلمين، وينتهك حرماتهم، بالطّرد الإبعاد، والذّلّ والاحتقار والمقاطعة حتى يرتدع ويتوب (14) .

6/ الحث على الرقي بمجالس المسلمين إلى الكلام الطيب والحديث النافع والرفقة الصالحة ،والبعد عن مخالطة الفساق والمخنثين لضررهم على الدنيا والدين (15) .

7/ ينبغي تعاهد الفطرة السليمة في الصّبي، منذ الطفولة وحمايتها من آفات التخنّث والتميّع والدلال المفرط، حتى يشّب الفتى وعليه ملامح الرجولة، ومعالم المروءة


(1)  متفقٌ عليه، رواه البخاري – واللفظ له –(501 ح5887) و(452 ح 5235) و (353 ح4324) و رواه مسلم (1065 ح 2180).

(2) معجم مقاييس اللغة (ص314) .

(3)  لسان العرب (2/145)، الفائق (1/400)، الغريب لابن سلام (2/283)، غريب الحديث للهروي (1/362)، مشارق الأنوار (1/300)، النهاية (2/82) .

(4)   أسد الغابة (6/34)، الإصابة (7/529) .

(5) معجم مقاييس اللغة (ص660) .

(6)  لسان العرب (13/288)، مختار الصحاح (ص188)، الغريب لابن سلام (2/259)، مشارق الأنوار
(2/104) .

(7)   ينظر: شعب الإيمان (7/413) .

(8)  رواه البخاري (501 ح5885).

(9)   ينظر: شرح ابن بطال (9/141- 142)، المنهاج (14/388)، الفتح (9/418)، شرح سنن ابن ماجه   (ص188)، الديباج (5/197)، نيل الأوطار (6/138) .

(10)   إكمال المعلم (7/73)، المنهاج (14/387)، فتح الباري (9/417)، تفسير القرطبي (12/235)، الديباج (5/197)، شرح الزرقاني (4/89)، نيل الأوطار (6/138) .

(11)   مجموع الفتاوى (15/ 308) .

(12)  ينظر: إكمال المعلم (7/74)، المنهاج (14/387- 388)، منهاج السنة النبوية (6/267)، الطرق الحكمية (1/386)، فتح الباري (9/420)، شرح ابن ماجه (ص188)، نيل الأوطار (6/139) .

(13)    التمهيد لابن عبدالبر (22/276)، وذكره ابن حجر في الفتح (9/420).ولم أقف على إسناده .

(14)  ينظر: شرح ابن بطال (9/143)، الاستقامة (1/320)، الفتح (9/420)، (10/410) .

(15)    ينظر: مجموع الفتاوى (15/ 311) .

 

 



بحث عن بحث