حديث ( ... إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ  ....  )

 

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: « جَاءَ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قُلْتُ: إِنَّ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ عَمُّكِ ،قُلْتُ: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ ! قَالَ: إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ». (1)

عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُرَاهُ فُلَانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يا رسُول اللهِ،  هذا رَجُلٌ، يَسْتَأْذِنُ في بَيْتكِ، قالت: فقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : « أُراهُ فُلانًا »، لعَمِّ حَفْصَةَ منَ الرَّضَاع، فقالت عائشةُ: لو كانَ فُلانٌ حَيًّا – لِعَمِّها مِنَ الرَّضاعَةِ – دَخَل عليَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ ».(2)

من فوائد الحديثين :

1/ فيهما مشروعية صلةُ ذوي القَرَابةِ من الرّضاع وزيارتهم.

2/ وجوب استئذانِ المَحْرم على مَحْرَمِه عند الدخول(3)  لإمكان أن تقع عينه على عورة لا يجوز له الاطلاع عليها أو أمرٍ يكره الوقوف عليه، وهو تطبيق عملي لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)  (4).

3/ المستأذنُ على عائشة – رضي الله عنها - هو عَمُّها من الرّضاع، واسمه: أَفْلَح، وهو أخو أبي القُعَيْس، يُكنى أبا الجَعْد، عداده في بني سُلَيْم، ويقال إنّه من الأشْعَرِيين.

قال النووي: وهو الصواب، المحفوظ عند أهل الحديث(5) .

4/ التماسُ إذن الزوج ورضاه واستئمارُه فيمن يلج بيتَه من المحارمِ وغيرهم أثناء غيابه .

5/ وجوبُ احتجابِ المرأة واستتارها من الرجال الأجانب، وتحريم الخلوة بهم، وذلك بعدما ضرب الحجاب آخر سنة خمسٍ (6)  .

6/ فيه أن من شكَّ في حكم يتوقفُ عن العمل حتى يسأل العلماء عنه (7) .

قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )(8) .

7/ إثبات حرمة الرضاع، وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة وأبنائها، ويترتب عليه أحكام الرضاع من تحريم النكاح وجواز النظر والخلوة، ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه فلا يتوارثان ولا نفقة لأحدهما على الآخر .. إلى غير ذلك من الأحكام(9) .

8/ اختلف العلماء في زوج المرضعة هل تثبت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدًا له وإخوته أعمام له أم لا ؟

فذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار كالأوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل ينشر الحرمة ويثبت عمومة إخوته وأخواته للرضيع وأخوّة أبنائه له .

وحجتهم هذا الحديث الصحيح، قال ابن المنذر: والسنة مستغنىً بها عما سواها .

وخالفهم ابن عمر، وابن الزبير، ونقل عن عائشة، قال ابن حجر: ولا يصح عن عائشة لأنها هي راوية الحديث، وحكي عن جماعة من التابعين منهم: سعيد بن المسيب، وعطاء ابن يسار، والشعبي، والنخعي، وأهل الظاهر.

وحجتهم :

1 - قوله تعالى:( وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ )  (10)  قالوا: لم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب .

وأجيبوا: بأن تخصيص الشيءِ بالذكر لا يدل على نفي الحكم عمّا عداه، لاسيّما أنه قد جاءت به الأحاديث الصحيحة .

2 - احتج بعضهم من حيث النظر بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل !؟

والجواب :

- أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه .

- أن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معًا فوجب أن يكون الرضاع منهما، كالجدّ لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به لتعلقه بولده .

- أن الوطء يدر اللبن فللفحل فيه نصيب (11)  .

9/ لطف النبي صلى الله عليه وسلم  بعائشة – رضي الله عنها - عند مبادرتها له بالتعليل قبل سماع الفتوى، ومراجعتها له، ظنًّا منها أن اللبن ليس للفحل، وأن عمها من الرضاع هو من رضع مع أبيها، وليس أخو زوج المرأة التي أرضعتها (12) .


(1)  رواه مسلم – واللفظ له – (921 ح1445) و البخاري (452  ح5239) وفي آخره قالت عائشة: وذلك بعد أن ضرب علينا الحجاب، وقالت: يحرِّم من الرضاعة ما يحرم من الولادة و (441 ح 5103) و (208 ح 2644).

(2)  متفق عليه ، رواه البخاري – واللفظ له – (208 ح2646)و (250 ح3105) و (441 ح5099) ومسلم (921 ح1444) .

(3) ينظر: فتح الباري (9/189)، عمدة القاري (20/98، 219) .

(4)  ىسورة النور، الآية: 27 .

(5)  ينظر: رواة الآثار (ص216)، الاستيعاب (4/1733)، الإصابة (1/99)، تهذيب الأسماء (1/134)، المنهاج (10/263)، عمدة القاري (20/98) .

(6)  ينظر: فتح الباري (9/189)، شرح الزرقاني (3/308) .

(7)  فتح الباري (الصفحة السابقة)، عمدة القاري (الصفحة السابقة) قال العيني – رحمه الله -: ومن تردد بين التحريم والإباحة ولم يترجح لديه أحد الطرفين فعليه التوقف أو تغليب التحريم، كامتناع عائشة عن الإذن أفلح.

(8)  سورة الأنبياء، الآية: 7 .

(9) ينظر: المغني (11/309)، المنهاج للنووي (10/261)، مجموع الفتاوى (34/37، 38)، زاد المعاد (5/556)، عمدة القاري (13/204) .

(10)  سورة النساء، الآية: 23.

قال القاضي عياض: لم يقل أحد من أئمة الفقهاء وأهل الفتوى بإسقاط حرمة لبن الفحل إلا أهل الظاهر وابن عُلَيَّه، إكمال المعلم (4/629)، عمدة القاري (20/97) .

(11)   ينظر : الأم (7/266)، شرح ابن بطال (7/200، 201)، التمهيد (22/155)، إكمال المعلم (4/628، 629)، بدايـة المجتهد (2/29)، المنهاج (10/261)، زاد المعاد (5/565- 566)، فتح الباري (9/188)، عمدة القاري (2/143) و(20/97)، شـرح الزرقاني (3/309)، نيل الأوطار (6/376- 377)، عون المعبود (6/41- 42)، تحفة الأحوذي (4/256) .

(12)   ينظر: التمهيد (8/238)، فتح الباري (9/188) .

 



بحث عن بحث