حديث (إِنِّي امْرَأَةٌ قَدْ ثَقُلْتُ فَعَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ وَأَنَا جَالِسَة...)

 

 

(17)  عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ: « جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  فَقُلْت:ُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ قَدْ ثَقُلْتُ فَعَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ وَأَنَا جَالِسَة،ٌ قَالَ : قُولِي اللَّهُ أَكْبَرُ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكِ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ مُجَلَّلَةٍ مُتَقَبَّلَة،ٍ وَقُولِي الْحَمْدُ لِلَّهِ مِائَةَ مَرَّة،ٍ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكِ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ، حَمَلْتِيهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقُولِي سُبْحَانَ اللَّهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ مِائَةِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيل،َ تُعْتِقِينَهُنَّ، وَقُولِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لاَ تَذَرُ ذَنْبًا وَلاَ يَسْبِقُهُ عملٌ ». (1)

السائلة :

هي أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب ، أخت علي بن أبي طالب ، أمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، اختلف في اسمها فقيل هند وقيل فاطمة .

كانت تحت هبيرة بن أبي وهب بن عمرو المخزومي .

أسلمت عام الفتح، وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم   فأظهرت له عظم مكانته لها واعتذرت إليه بصغارها وخشية تفويت شيء من حقوق الزوج .

روت أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم   أحاديث في الكتب الستة وغيرها .

روى عنها ابنها جعدة وابنه يحيى وحفيدها هارون، ومولياها؛ أبو مرة وأبو صالح، وابن عمها عبدالله بن عباس وآخرون .

قال الترمذي وغيره: عاشت بعد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - .(2)

 

غريب الحديث :

بَدَنَةُ مُجلَّلَة :

البَدَنَة هي الناقة أو البقرة التي تهدى للبيت الحرام، سمِّت بذلك لأنهم كانوا يَسْتَسْمِنُونَها.

قال القاضي عياض – رحمه الله -: وهي مختصَّة بالإبلِ، سمِّيت بذلك لعظيم جسمها وسمنها ، والجمع بُدْن ( بضم أوله، وسكون ثانيه ) ويصحُّ بضمهما (3) .

وتجليل الدّابة : ما تُلبسه لتصانَ به من القُطُف والأكسية والبُسْط.

مُسْرَجَةٌ :

أصلها من السين والراء والجيم وهو أصل صحيح يدلُّ على الحسن والزينة والجمال.

والسَّرْجُ: رَحْلُ الفَرَسِ وهو زينتها، والجمع سُرُوجٌ (4)  .

مُلْجَمَةٌ :

من ألجمتُ الفرس، إذا وضعتُ اللِّجام على فمه وشدَّ إلى قفاها قال سيبويه : هو فارسي معرّب (5) .

من فوائد الحديث :

1/ فيه استحباب الذّكر بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، وهي الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وما يلحق بها من الاستغفار ونحوه والدعاء بخيري الدنيا والآخرة (6) .

2/ سَعَةُ رحمة الله وكرمه السابغ على عباده حيث شرع لهم أعمالاً صالحة، يسيرة، ممكنة في الصغر والكبر، والقوّة والضعف، والجلوس والاضطجاع، ويجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل (7)  .

3/ الأجر العظيم والخير العميم بمحو السيئات ورفع الدرجات لمن أدّى هذه الكلمات بحقها مواظبًا عليها فاستحضر معانيها بقلبه وتأملها بفهمه واستشعر ما تشتمل عليه من تعظيمٍ لله تعالى وثناءٍ عليه وتنزيهٍ له عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله من نقص وعيب، مع إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى وذلك أبلغ الكمال (8) .

4/ اختلاف مقادير الثواب في الذِّكر الواحد بحسب عدده وما يقترن به من فضل في الزَّمان والمكان واستحضار له بالجنان.

قال القاضي عياض – رحمه الله -: وذكر العدد من المائة في التهليل والتسبيح دليل على أنها غاية الثواب المذكور (9) .

واختلاف الروايات في عدد الأذكار التي وردت ثلاثًا وثلاثين ووردت عشرًا ومائة يحمل على صدوره في أوقات متعددة أو هو وارد على التخيير (10) .

5/ ذهب الجمهور من علماء السلف والخلف إلى أن تكفير الخطايا ومحو السيئات وغفران الذنوب بالذكر في قوله: «لا تذر ذنبًا » لا يدخل فيها الكبائر بل هو للصغائر، لأن الكبائر لا تكفَّر بدون التوبة .

والتوبة فرض على العباد وفسرت بالنَّدم والعزم على أن لا يعود والإقلاع عن الذنب .

والأدلة الشرعية تؤكد على وجوب المسارعة إلى التوبة من الكبائر، وأنها سبب غفران الذنب ورضى الرب سبحانه وتعالى (11) .

6/ من تعلَّق قلبه بكلمة التوحيد، أخرجت منه كلَّ ما سوى الله تعالى محبةً وتعظيمًا وإجلالاً ومهابةً وخشية ورجاءً وتوكّلاً وحينئذٍ تُحرق ذنوبه وخطاياه كلها، لأن التوحيد هو السببُ الأعظم لغفرانِ الذنوب، ولو وضع ذرة منه على جبال الذنوب والخطايا لقلبتها حسنات (12).

7/ قال النووي – رحمه الله -: قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم؛ يجوز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب ما لم يكن موضوعًا بشرطين :

·  أن يكون له أصل شاهد له كاندراجه تحت عمومٍ أو قاعدة كليّة .

·  أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط (13).

وقال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -: إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد، والمعنى أننا نروي في ذلك بالأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم .

وإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرًا وتحديدًا في وقت معين أو على صفة معينة لم يجز ذلك؛ لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي .

وأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته أو عدم ثبوته، وإن كانت النفس ترجو ذلك الثواب الجزيل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: فالحاصل أن هذا الباب يروى ويعمل به في الترغيب لا في الاستحباب، واعتقادُ مقادير الثواب يتوقف على الدليل الشرعي(14) .


 (1) رواه أحمد – واللفظ له - (6/425)  و النسائي (6/211 ح 10680)  و ابن ماجه (2704 ح3810) و الحاكم (1/695 ح1893) قال المنذري: رواه أحمد بإسناد حسن . الترغيب والترهيب (2/277).وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: أسانيدهم حسنه مجمع الزوائد (10/95) . وللحديث شاهدان لبعضه، الشاهد الأول : رواه الترمذي (ص2009 ح 3471)، بسنده  عَن عمرو بن شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «من سِبَّح الله مائةً بالغداةِ ومائةً بالعَشِيِّ كان كمن حجَّ مائةَ مرّةٍ، ومن حمدَ اللهَ مائةً بالغداةِ ومائةٍ بالعشيِّ كانَ كمَنْ حَمَل على مائةِ فرسٍ في سَبْيل اللهِ »  أو قال: «غَزَا مائةَ غزوةٍ، ومن هلَّل اللهَ مائةً بالغداةِ ومائةً بالعشيِّ كان كمن أَعْتَقَ مائةَ رقبةٍ من وَلَدِ إسماعيلَ، ومَنْ كبرَّ اللهَ مائةً بالغَداةِ ومائةً بالعَشِيِّ لم يَأْتِ في ذلِك اليومِ أحدٌ بأكْثَر مما أتى بهِ، إلا من قالَ مثل ما قال أو زَادَ على ما قالَ ».

الشاهد الثاني :رواه الطبراني في مسند الشاميين (2/12 ح830) بسنده عن أبي أُمَامَة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قالَ سُبْحَانَ اللهِ وبَحْمدِهِ كَانَتْ لهُ مثلُ مائةِ رَقَبَةٍ تُعتَقُ إذا قالها مائةَ مرةٍ، ومن قَالَ الحمدُ للهِ مائةَ مرةٍ كانَ عدلَ مائةِ فرسٍ مُسْرَجٍ مُلْجَمِ في سَبِيْل اللهِ، ومن قال الله أكبرُ مائةَ مرةٍ كان عدل مائةِ بَدَنةٍ تُنْحَرُ بمكةَ »ورواه في الكبير (8/115 ح7534).

والراجح - والله أعلم - أن إسناد الحديث الوارد في النص فيه ضعف، لضعف أحد رواته وهو ابن مِعْشَر نُجَيحْ السِّنْدِي ولم يُتَابَعْ، ولجِهَالة صالح مولى وَجْزَة . وقول الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه تعقَّب عليه الذهبي في التلخيص، وقال: فيه زكريا وهو  ضعيف !

فالحديث بالإسناد المذكور ضعيف، ومتابعاته كذلك، و يمكن أن يتقوى  بشواهده ، لكنه يخالف ما ثبت في الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «من قال: سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ في يومٍ مائةَ مرةٍ حُطَّت خَطَاياهُ وإن كانَتْ مثلَ زبدِ البحرِ » . متفق عليه البخاري (538 ح6405) و مسلم (1146 ح2691) .وقال صلى الله عليه وسلم  : «مَنْ قَالَ، حين يُصْبحُ وحينَ يُمِسي: سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ، مائةَ مرةٍ، لم يأتِ أَحَدٌ يومَ القيامِة، بأفضلَ مما جاءَ بِهِ، إِلاّ أحدٌ قَال مثلَ ما قالَ أو زَادَ عليْهِ » رواه مسلم (1146 ح2692) وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك . رواه البخاري –واللفظ له- (ص266 ح3293) ، و مسلم (ص1146 ح2691).

(2)  الاستيعاب (4/1963)، أسد الغابة (6/404)، الإصابة (8/317).

(3)  معجم مقاييس اللغة (ص101)، لسان العرب (13/48)، مختار الصحاح (ص18) .

  مشارق الأنوار (1/108)، النهاية (1/108) .

(4)   معجم مقاييس اللغة (ص493)، لسان العرب (2/297) .

(5)  معجم مقاييس اللغة (ص914)، لسان العرب (12/534)، مشارق الأنوار (1/446)، النهاية (4/235) .

(6)  ينظر : التمهيد (22/19)، فتح الباري (11/249) .

(7)  ينظر: الفتح (11/249) .

(8)  ينظر: إكمال المعلم (8/189)، المنهاج شرح مسلم (17/18، 19)، والأذكار للنووي (ص28- 29)، الفتح (11/246).

(9)  ينظر: إكمال المعلم (8/191) .

(10)   ينظر: الفتح (11/246) .

(11)   ينظر: ما ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/429 وما بعدها) ففيه تفصيل جيد .

(12)   ينظر: ما ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/417) .

(13)   الأذكار (ص23) .

(14)   مجموع الفتاوى (18/ 65- 68) .

 



بحث عن بحث