حديث ((اللهم اغفر لعائشة ما تَقدمَ من ذنبِهَا وما تَأخَّر...))

 

 

عن عائشة قالت: لما رأيتُ من النبي صلى الله عليه وسلم طيبَ نفسٍ قلتُ: يا رسولَ الله ادع اللهَ لي، قال: « اللهم اغفر لعائشة ما تَقدمَ من ذنبِهَا وما تَأخَّر وما أَسرتْ وَما أعلنَتْ » فَضَحكت عَائِشَة حتى سَقط رَأسُها في حجرهَا من الضّحكِ، فَقال رَسول الله صلى الله عليه وسلم : « أيَسرُّكِ دُعائي؟ فقالتَ: وَمالي لا يسرّني دُعاؤكَ؟ فقالَ: والله إنّها لَدعوتي لأُمتِي في كلِّ صَلاةٍ ». (1)

السائلة هي :

عائشة : بنت أبي بكر الصديق واسمه؛ عبدالله بن عثمان من بني لؤي بن غالب ، تكنى بأم عبدالله، أم المؤمنين تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنتين وبنى بها في المدينة وهي ابنة تسعٍ، ومكثت معه تسع سنوات، لم ينكح الرسول صلى الله عليه وسلم بكرًا سواها، مبرأة من سبع سماوات، وكانت أحب أزواجه إليه، تلقب بالحميراء، وهي ذات شرف ونسب وفضل وعلم، قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.

وقال عروة: ما رأيت أحدًا أعلم بفِقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة .

روت عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير وروت أيضـًا عن أبيها وعمر وفاطمة – رضي الله عنهم -.

روى عنها من الصحابة عمر وابنه عبدالله وأبو هريرة وغيرهم .

توفيت سنة 57 وقيل 58هـ - رضي الله عنها - . (2)

من فوائد الحديث :

1/ من حسن أدب السائل اختيار الأوقات التي يكون فيها المفتي طيِّب النفس، مُنشرحَ الصّدر، هادئ البال متهيئًا لسمَاع السؤال، إرفاقًا بالمفتي وصيانةً للفتوى .

2/ وفيه حسن عشرة الرجل لأهله، والتحبّب إليهم بالدعاء لهم وتأنيسهم وإدخال السرور عليهم .

3/ وفيه مكانة عائشة – رضي الله عنها - من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه لها وميله إليها، وعزَّتها عنده وتلبية مرادها، فسمعت تلك الدعوات الطَّيبة وقرّت عينًا بها .

4/ استحبابُ دعاءِ المسلم لأخيه بظهر الغيب بما أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الدَّعوات الخيِّرات ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم لأحب نسائه، ولأمته وهي: سُؤال الله تبارك وتعالى غفران الذنوب وستر العيوب ومحو السَّيئات ما مضى منها وما هو آت، الظاهر منها وما تخفيه السرائر .

5/ وفيه رحمةُ الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته وإشفاقه عليها وكرامتها عليه، وبذل الدعاء الصالح لها في حياته، والشفاعة المستجابة في الآخرة .

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لكلِّ نَبِيٍّ دَعْوةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلٌّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَومَ القِيَامَة، فهي نَائِلةٌ إنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْركُ بِاللهِ شَيْئًا »(3).

6/ قال القسطلاني – رحمه الله - : من دعوات الأنبياء ما يستجاب في الحال ومنها ما يؤخر إلى وقت إرادة الله عز وجل (4) .


(1)أخرجه ابن حبّان (9/122 ح711) ورواه أبو القاسم اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (8/1429 ح2756). إسناده صحيح، وقال الهيثمي: رجاله ثقات . مجمع الزوائد (9/246)

(2)الاستيعاب (4/1881)، أسد الغابة (6/189)، الإصابة (8/16) .

(3)  متفق عليه، واللفظ لمسلم رواه في صحيحه، (715 ح199) بسنده عن أبي هريرة مرفوعًا.

  و رواه البخاري، (531 ح6304) بنحوه وليس في آخره « فهي نائلة إن شاء الله من مات ..... ».

(4)  عمدة القاري (22/ 277) روى مسلم في صحيحه (1178 ح2890) بسنده عن  عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مرّ بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه ودعا ربَّه طويلاً، ثم انصرف إلينا، فقال صلى الله عليه وسلم : «سألت ربِّي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسَّنَة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ».

 

 



بحث عن بحث