النوع الثالث: ما يدل على وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم –

وهذا النوع يندرج تحته هذه الصور:

 الصورة الثالثة: أمر الله بطاعة الرسول على الانفراد:

1- قال الله - تبارك وتعالى-: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)[ سورة النساء /65].

 2- وقال تعالى: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم

عذاب أليم)[ سورة النور /63].

3- وقال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر

جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه)[ سورة النور /62].

4- وقال تعالى:(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)[سورة آل عمران/ 31].

5- وقال تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون)[

سورة النور/56].

6- وقال تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه

لعلكم تهتدون)[ سورة الأعراف /158].

7- وقال تعالى: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم

حفيظا)[ سورة النساء /80].

8- وقال تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن

الله شديد العقاب)[ سورة الحشر /7].

   هذه الآيات يرى الناظر فيها لأول وهلة أقوى وجه من وجوه الدلالة على وجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، الذي هو أحد نوعي الدلالة على حجية السنة القطعية، إذ لا تحتاج إحداها إلى استنباط وجه الدلالة من لازم اللفظ، إذ إنها كلها تنص بالنص الصريح على وجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، أو اتباعه، أو الأخذ بما أتى به، أو التسليم لحكمه، أو غير ذلك.

  والآيات في هذا النوع دلت على إيجاب الطاعة، وتحريم المعصية، وقد نهجت مناهج شتى في بيان ذلك، إذ تعددت وسائل الوعد والبشارة، والحث والترغيب، والحض على اتباع الرسول وطاعته، كما تعددت فيها أيضا عبارات الوعيد، والإنذار، والتخويف، والترهيب من مخالفته، والخروج عن مقتضى أوامره، وعدم الاستسلام لأحكامه.

  وهي أيضا في وعيدها على المخالفة لأوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم- تسلك في ذلك مسالك متعددة مختلفة، فتارة يهددهم الله فيها بإصابة الفتن، وفي الفتن ما فيها من بلايا ونقم في الدين والدنيا، وطورا يهددهم بإصابة العذاب الأليم، وأخرى يحكم بنفي الإيمان عن الخارجين المارقين الذين لا يستسلمون لحكمه، والله تعالى لا ينفي الإيمان فقط؛ ولكنه تبارك وتعالى يقسم بربوبيته، وهو قسم – قلما يقسم الله به في القرآن – وإن أقسم به فإنما يقسم لشدة تأكيد المقسم عليه لبالغ اهتمامه به، وتارة بما لا يعلم قدره، ومقدار عذابه سواه، لم يحدده بحد، ولم يحصره في نوع ولم يقصره على لون من ألوان العذاب والبلاء، بل يطلقه بدون تحديد كأنما يحمله كل ألوان الهول والنكال، حتى يذهب فيه المهدد به كل مذاهب التصور، قال تعالى : ( ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا)، وقال تعالى : ( إن الله شديد العقاب).

  وكما أخذت الآيات في وعيدها تلك الصور التي تعبر عن غضب الله القادر، كذلك كانت عبارات الوعد للمطيعين المتبعين في الآيات متعددة تحكي كل أنواع الرضا، وتعبر عما يدخره الله للمطيعين لرسوله، المذعنين لأحكامه، من ثواب جزيل، فهي تارة تمنيهم بالرحمة، وتارة تعدهم بالهداية، وطورًا تعدهم وعدًا يتضاءل أمامه كل وعد، وتشتاق النفوس إلى الوصول إليه، قال تعالى : ( فاتبعوني يحببكم الله)، وتارة يطلق الثواب إطلاقا، ويرسله إرسالاً ليذهب فيه كل ذاهب مذهبه الذي يحبه، وليفكر كل في لونه، ونوعه، وماهيته، وكنهه، وما هو بمستطيع تقديره قدره، قال تعالى : ( فسيؤتيه أجر عظيما).

  هذا ولم تقف الآيات عند حد الأمر بالطاعة والثواب عليها، ثم يترك للمتدبر فيها أن يستنبط حكم مخالف الرسول، أو المعرض عن اتباعه؛ فقد يقول : إن الله لم ينص على حكم العاصي لأوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وقد يتجاوز إنسان الحد فيقول إن معصية الرسول على البراءة الأصلية لم ينص الله عليها؛ ولهذا ذكرت الآيات بصريح اللفظ النهي عن معصيته، بل بعض الآيات جمع الله فيها بين الأمر بالطاعة وبين النهي عن المعصية، قال تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

  كما لم تقف الآيات عند الأمر بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم- والنهي عن معصيته في الأمور التشريعية فقط؛ بل نصت على أحكام من آداب السلوك العام، يجب اتباعها معه - عليه الصلاة والسلام -، وهي :

  آداب الانصراف من مجلسه، فقد عالجها القرآن الكريم أيضا ووضع لها تعاليم، وألزمهم بآداب خاصة معه، قال تعالى : ( وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنونه)، فقد يرى في وجودهم مصلحة لا يرونها؛ إذ مجالسه - عليه الصلاة والسلام - مجالس علم وهداية وتربية، منحهم الله فضلها، وخصهم بفيضها؛ حتى يتعلموا من المعصوم المبلغ عن ربه ما يعدهم لتحمل عبء هذه الدعوة بعده، ونشر رسالته، لأنه خاتم المرسلين، المبعوث للناس كافة، ونصوص الشريعة تنتهي، والوقائع لا تنتهي، وما لا ينتهي لا يضبطه ما ينتهي.

  لهذا دعاهم إلى اتباعه وطاعته، والتعرف على هديه، وملازمة مجالسه، وعدم الانصراف منها حتى يأذن لهم بالانصراف؛ لأن وظيفته بيان الكتاب والوحي له بالمرصاد يتابعه ويلاحقه، ويبين له ويرشده، وهو فوق ذلك إلهامه وحي، وبيانه هدى،فكان لابد لهم من مجالسته حتى يستطيعوا بعده عليه الصلاة والسلام نشر دينه الذي وعد الله أن يمكنهم به في الأرض، ويستخلفهم فيها، فيكونوا حينئذ بفضل تربية الرسول وصحبته أهلا للاستخلاف وقيادة غيرهم.

  فلم كل تلك الرعاية ؟ ولماذا كان هذا الاهتمام ؟.

  أللقرآن الكريم الذي يبلغه عن ربه؟ كما يقول المنكرون لحجية السنة، وقد حفظوه في صدروهم وكتبوه، وليس في تبليغه ما يقتضى تلك النذر على مخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، أو الوعد العظيم على طاعته واتباعه.

  ثم ما علاقة تلك الأوامر والنواهي التي ذكرها الله تعالى في الآيات، وهي لا تشير إلى تخصيص القرآن الكريم بالذكر؟ وما كان الله ليقصر بيانه عن أن يحدد مراده، فيضيف في آية واحدة من الآيات التي أمر فيها باتباع الرسول، سيدنا ( محمد) - صلى الله عليه وسلم- على الانفراد ما ينص على أنه يريد القرآن الكريم، كأن يقول مثلا : وما آتاكم الرسول من كلامنا، أو فليحذر الذين يخالفون عن قرآننا، أو من يطع كتابنا.

  لكن الله تعالى لم يقل من ذلك شيئا، ولو كان مريدًا له لقاله، ولكن الذي أراده بالفعل هو الذي كان في كتابه بالنص على الأمر بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم- في هذه الآيات وغيرها، وهو لا يشير إلى تخصيص القرآن الكريم بالذكر.



بحث عن بحث