شبه المنكرين لحجية السنة، والرد عليهم (3)

 

 الوجه الثالث في الرد على الشبهة المذكورة في الحلقتين السابقتين:

الثالث : لو سلمنا لكم أن المراد من الكتاب هو القرآن الكريم على عموميته دون تخصيص ، فإننا نسألكم ، ما هو المراد ( من شيء ؟ ).

لقد جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تطلب منه الميراث ، فقال لها : ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شيئا ، فارجعي حتى أسأل الناس ، فسأل الناس ، فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أعطاها السدس. فقال أبو بكر: هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري: فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر- رضي الله عنه-.(1)

إذن هذه الحادثة لم يكن لحكمها نص في القرآن الكريم ، وإنما كان حكمها في السنة النبوية .

وعلى هذا فإن المراد (من شيء ) لابد من تحديده ، وإلا للزم المحال الذي تعترضون به أنتم ؟ ليس المراد من شيء في الآية الأحكام التي يحتاج إليها المجتمع في وجوده المستمر، وإنما المراد منها الحكام الرئيسة العليا التي تحدد القواعد والضوابط التي تأخذ سمة الطابع الدستوري كمعالم للطريق الفاضل الذي يقيس عليه النبي- صلي الله عليه وسلم- وأصحابه أحكام الحوادث التي تتولد من العلاقات بين الناس في حركة نشاطهم .

وعلى هذا فلا بأس أن يكون الكتاب هو القرآن، وأن يكون القرآن حاويا ــ دون تفريط ـ كل القواعد الكبرى التي تنظم للناس شؤون دنياهم ، وتكون السنة النبوية هي الموضحة لهذه المعالم ، وهي المنيرة للناس طريق الحياة ، وتنسجم هذه الآية مع الآيات الأخرى التي تؤكد بالنص أهمية السنة تجاه ما في الكتاب من القواعد التي تحتاج إلى تخصيص، أو تقييد، أو توضيح، أو تبيين .....إلخ.

مثل قوله تعالى: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )(2).

 وقوله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(3).

 


(1) - أخرجه أبو داود كتاب الفرائض ، باب في الجدة ( 2894 ) والترمذي ، كتاب الفرائض ، باب ما جاء في ميراث الجدة ( 2101 ) وقال : وهذا أحسن وأصح من حديث ابن عيينة .

(2) - سورة النساء / 59 .

(3) - سورة الحشر / 7، وانظر: تاريخ السنة ومصطلح الحديث ص 38 ،39.



بحث عن بحث