كلمة المشرف العام فضيلة الشيخ أ.د. فالح بن محمد الصغير

في افتتاح ندوة "فهم السنة الضوابط والإشكالات" 4/6/1430هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ويليق بجلاله وعظيم سلطانه وأصلي وأسلم وأبارك على رحمة الله المهداة ونعمته المسداة نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة، أيها الإخوة والأخوات.

إن من الخير العظيم أن نلتقي في هذا المساء تجمعنا سنة محمد صلى الله عليه وسلم، في ندوة حوارية علمية تعنى بفهم السنة النبوية والتي تعقدها شبكة السنة النبوية وعلومها، تحت رعاية معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أثابه الله وأعلى قدره في الدنيا والآخرة.

مرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات جميعاً، فيما أسعدتمونا بإجابتكم الدعوة وحضوركم ومشاركتكم كتب الله خطواتكم برفعة السنة النبوية، فوزا ورفعة في الدنيا والآخرة.

أيها الاخوة والأخوات، يقول المولى جل  وعلى: (وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا)، ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري وغيره من حديث معاوية رضي الله عنه: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ويقول الإمام بن القيم رحمه الله في كلمة مضيئة حول ضرورة حسن الفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينبغي أن يفهم عن الرسول عليه الصلاة والسلام مراده من غير غلو ولا تقصير فلا يحمّل كلامه مالا يحتمله ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب مالا يعلمه إلا الله بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلاله نشأت في الإسلام بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع وهل أوقع من أوقع طوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله عليه الصلاة والسلام حتى صار الدين  بأيدي أجهل الناس هو موجب هذه الأفهام والذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم عن الله ورسوله فمهجور لا يلتفت ولا يرفع هؤلاء به رأسا) انتهى كلامه رحمه الله.

وهذا تأصيل بديع من مثل هذا الإمام رحمه الله يجلي ضرورة فهم السنة النبوية وأنه لا سبيل إلى حسن فهمها وفهم مقاصدها وهداياتها إلا وفق منهج منضبط يجنب الباحثين الزلل في الفهم والشطط في الاستنباط ويرشدهم إلى سبيل الرشاد وطريق السداد.

وقد اهتم الراسخون في العلم من أبناء هذه الأمة بأسس ذلك المنهج وقواعده الكلية ولهم في ذلك عبارات شتى وجمل نفيسة مسطرة ومشهودة، يقول الإمام السيوطي رحمه الله: ( من فنون الحديث الجمع بين معنى الحديث والقرآن)، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: ( كل ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن) ، ويقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: (من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفترٍ على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد وهو معلوم البطلان بالاضطراد من دين الإسلام).

ويقول الامام بن عبدالبر رحمه الله: ( ومما يستعان به على فهم الحديث، العلم بلسان العرب ومواقع كلامها وسعة لغتها وأشعارها ومجازها وعموم لفظ مخاطبتها وخصوصه وسائر مذاهبها لمن قدر فهو شيء لا يستغنى عنه ).

ويقول الإمام بن حزم رحمه الله: ( ولا أرق دينا ممن يوثق رواية إذا وافقت هواه و يوهنها إذا خالفت هواه فما يتمسك فاعل هذا من الدين إلا بالتلاعب ).

وفي الحقيقة أيها الأخوة والأخوات فإن التركيز على هذه الأسس وأمثالها وإبرازها للدارسين والباحثين وأهل الإسلام عامة يعتبر أمرا في غاية الأهمية وذلك لما تمثله هذه الأسس من أطر ضابطة للفهم و راسمة للتصور العام في التعامل مع النصوص واستنباط الأحكام ولئن كان ذلك واضحاً عند سلفنا الصالح فإنه قد يغيب عن كثير من الباحثين والكتاب وطلبة العلم في عصرنا فيوقعهم الجهل بها في أخطاء جسيمة فكان لابد من الوعي بهذه الأسس من أهل العلم والاختصاص حتى ينضبط الفهم ويصح الاستنباط.

أيها الأخوة والأخوات، إن هذه الندوة تأتي في وقت برز فيه قصور في التعامل مع السنة النبوية وشطط في بعض الأفهام لها والذي ترتب عليه سوء في التطبيق والعمل من كثير .......، وقد نجم عن هذا إعراض بعض المسلمين عوامهم ومثقفيهم عن الهدي النبوي لما رأوه من غلو في فهمه وتطبيقه من جهة حيث أوقع أصحابه في فتن الغلو والتكفير والتبديع والتجريح بدون مسوغ شرعي وما تبعه من خروج على الأنظمة والحكام فافتتن بها بعض شباب الأمة ووقعوا في مزالق خطيرة وفتن عمياء، وقد قابل هذا الغلو والإفراط اتجاه آخر فرط في فهم الحديث النبوي، فتجرأ على تفسيره وبيانه دون مراعاة لقيود أو ضوابط، فبرروا واقعاً انحرف عن المسلك اليقين فسوغوا محدثاته، وطوعوا له الأحاديث النبوية كي تتلاءم مع أهواء بعض الناس وما يهوونه ويحبونه بدعاوى متنوعة ومختلفة.

وهكذا يتيه كثير بين إفراط وتفريط وهو ما انعكس سلبا على الفهم الصحيح للسنة النبوية ومن ثم العمل بها ومن هنا كانت مبادرة شبكة السنة النبوية وعلومها إلى عقد هذه الندوة إيماناً منها بأهمية هذا الموضوع وتطلعاً منها للمشاركة الفاعلة في إيضاح الضوابط المهمة والقواعد الضرورية للتعامل مع السنة النبوية وحسن الفهم لها وتحديد مواطن الإشكال في الفهم.

وإننا لنرجوا أن تسهم هذه الندوة في إضافة علمية واضحة وشفافة من خلال أوراق العمل المطروحة فيها ومن خلال المداخلات الجادة والمناقشات المتزنة ومن خلال النتائج المنبثقة عنها بإذن الله لتحقق الغاية المرجوة من إقامتها.

أيها الإخوة والأخوات، مرحبا بكم مرة ومرات ولا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا الدعاء لولاة أمرنا حفظهم الله في هذه البلاد المباركة لتشجيعهم ودعمهم إقامة هذه المناشط العلمية ودعمهم لها ولكل مافيه مصلحة البلاد والعباد وفقهم الله تعالى وسددهم ، ثم يطيب لي أن أكرر الشكر والتقدير إلى معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على رعايته الكريمة لهذه الندوة ودعمه الكامل لعقدها مادياً ومعنوياً، فجزاه الله خيراً ورفع به أعلام السنة  وقمع به البدعة وجعل ما قدمه ويقدمه ذخرا له في الدنيا والآخرة والشكر موصول إلى جميع المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية وإلى أصحاب الفضيلة والمعالي الذين رحبوا في المشاركة وقدموا الأوراق العلمية والشكر لجميع الحاضرين والحاضرات على تلبية الدعوة والمشاركة في المداخلات وإثراء الندوة بالعلم النافع والآراء البناءة والشكر أيضاً لكل من قدم لنا العون من قريب أو من بعيد ولا أنسى الأخوات في مركز آسية للاستشارات على جهودهن في تنظيم كل  ما يتعلق بالقسم النسائي وكذلك جميع زملائي العاملين في مختلف اللجان للندوة وفي الموقع فجزاهم الله خيرا وكتب تلك الجهود في موازين أعمالهم إنه سميع قريب مجيب قريب، سدد الله الخطى وبارك في الجهود وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 



بحث عن بحث