كلمة معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

فضيلة الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ

في افتتاح ندوة "فهم السنة الضوابط والإشكالات" 4/6/1430هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله حق الحمد وأوفاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ بعده صلى الله عليه وسلم عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد كلما صلى عليه المصلون اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد كلما غفل عن الصلاة عليه الغافلون، أما بعد:

أصحاب الفضيلة العلماء، أيها الأخوة الحضور في هذه الندوة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإني في فاتحة هذه الندوة لأحمد الله جل وعلا كثيرا كما أنعم علينا كثيراً بالحرص على إحياء السنة وإماتة البدعة فإن السنة التي هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته بحاجة إلى إحياء، وإن ما يضادها بحاجة إلى إماته، وهذا هو منطلق هذه الندوة "ندوة فهم السنة الضوابط والإشكالات" فحقيق أن نحمد الله جل وعلا على هذا الإنعام أن هيأ لنا هذه الصلة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم لا حرمنا الله من ذلك ومن وسائله، ثم إني أشكر لأخي الكريم فضيلة الشيخ أ.د. فالح بن محمد الصغير، عضو مجلس الشورى هذا الحرص على عقد هذه الندوة على ما حواه موقع شبكة السنة النبوية وعلومها من الكثير من الفوائد التي يحتاجها الناس اليوم في شرق العالم وفي غربه ونحتاجها جميعا ويحتاجها طلبة العلم ويحتاجها الناس الرجال والنساء والأهل والجميع ولا شك أيها الأخوة أننا شهدنا في عقود مضت أدركناها شهدنا اهتماما بالسنة النبوية شهدنا اهتماما كبيراً بهذه الفريضة ألا وهي فريضة الاهتمام بالسنة النبوية وذلك الاهتمام لم يكن إلا بفضل الله جل وعلا أولا ثم بجهود علماء ورجال مخلصين أخلصوا لله جل وعلا ونصروا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأحيوا في الناس الاهتمام بكتب الحديث وكتب السنة وهدي السلف الصالح ومن روادهم في هذا العصر الحديث الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ رحمه الله تعالى والشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، وأمثالهم كثير في بلادنا الإسلامية لكن هؤلاء بالخصوص كان لهم الأثر الكبير في إحيائها، بعضهم بالتأليف وبعضهم بالإقراء وبعضهم بالتأليف والإقراء معا، وهذا في ظني هذا الجهد منهم ومن أمثالهم هو الذي جعل الاهتمام بالسنة كبيراً في عقود مضت، لذلك في فاتحة المطاف نأوي إلى أن الاهتمام اهتمام الأجيال في السنة يحتاج إلى رجال يبذلون وقتهم في إقراء السنة وفي الاهتمام بها وفي نشر علومه وفي العناية بها إسنادا ومتنا لأن الشبيبة في أمة الإسلام وطلبة العلم يحتاجون إلى محرك يحركهم إلى مناحي العلم وإذا كان هناك القدوة في تحريكهم إلى بعض العلوم الشرعية فإنهم يتجهون لها إذا كان الاهتمام بالسنة فرضا لازماً لأنها من معنى شهادة أن محمداً رسول الله ولأنها من المأثور عن أهل العلم والفرقة الناجية فإن بديل الاهتمام بالسنة يعني إذا ترك الاهتمام بالسنة فإن بديله الاهتمام بالفكر، هذان أمران يزاحم بعضهم بعضا، ولهذا فإن التوازن في متطلبات المرحلة لأمة الإسلام يحتاج منا إلى الكثير من الوقفات والتعاون الراشد في إحياء السنة وفي الأخذ من الأمور الأخرى بما تحتاجه وتحتاجه المسيرة الإسلامية، لكن هذا التاريخ يعلمنا أن إحياء السنة واهتمام الناس بها لا بد أن يكون من أهل العلم بالحديث والسنة فهم الذين لابد لهم ويتعين عليهم أن يقبلوا عليها إحياءً وإقراءً وتأليفاً، وإحياء الاهتمام بها في الناس، فالناس في عقود مضت لم يكونوا يهتمون بها إلا لما يسر الله من العلماء من يحرك هذا الأمر وهكذا اليوم لا بد من أن يهتم الناس بذلك والجميع يشهد هبوطاً في الاهتمام بهذا الأمر العظيم.

التجديد في الإسلام تجديد هذا الدين الذي جاء فيه الحديث ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل سنة من يجدد لها دينها) ، عرفه أهل العلم أو كثير من أهل العلم بعبارات كثيرة لكن أخصرها وأجمعها أن التجديد هو إحياء السنة وإماتة البدعة، وإحياء السنة يشمل إحيائها اقتداءً ويشمل إحيائها فهماً، لأنه بفهم السنة يفهم القرآن وبفهم السنة يفهم الدين وبفهم السنة يرتبط بأعظم قدوة وهو محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، لذلك أجد أن من صنيع المجددين الذين حباهم الله جل وعلا بإحياء السنة وإماتة البدعة، إحياء الاهتمام بالسنة رواية ودراية، والاهتمام بفهم السنة وإزالة الشبهات والإشكالات عنها، لذلك نجد أن سلفنا الصالح رضي الله عنهم وجزاهم الله عنا خير الجزاء، نجد أنهم اهتموا بكل هذه الجوانب، فدافعوا عن السنة في وجه الشبهات شبهات من قال إن الرواية رواية الحديث لا يتيقن معها الحديث وشبهات من قال إن الصحابة ليسوا جميعا على عدالة وليسوا كلهم عدولاً ، وشبهات من قال إن السنة لم تنقل باللغة العربية الصحيحة وإنما دخلها الأعاجم فنقلوها بفهمهم بفهم أعجمي ثم صارت الألفاظ مغيرة إلى ألفاظ نتجت عن فهم أعجمي ودافعو وردوا شبهات من قال إن السنة تعارض العقل الصحيح في كثير من المواطن وردوا على من قال إن السنة ليست هي الملزمة وإنما الملزم هو القرآن، وهكذا في أنحاء شتى لا شك أن هذه الندوة ستعرض لكثير من ذلك، وهذا الدفاع اليوم نشهد هجوماً بشكل آخر ومن موضوعات تشابه تارة الموضوعات السابقة والشبه السالفة وهناك الجديد من الشبه والجديد من الإشكالات في هذا الزمن لإحياء فهم السنة والارتباط بالسنة لابد من إحياء علومها وإحياء والاجتهاد في علوم اللغة العربية فإنه إذا كان هناك نوع انصراف عن علوم السنة النبوية وعن إقراء الحديث وسماعه وتلاوته في البيوت ومباحثته  وذكر بحوثه وما يتعلق بذلك، فإن هناك أيضاًَ ضعفاً في علوم اللغة العربية وإنني أخشى أن يكون هناك بعد زمن إساءة لفهم القرآن ولفهم السنة ولفهم كلام علماء الملة الذين فسروا القرآن وشرحوا السنة إذا قصرت الأفهام عن فهم اللغة العربية لا من جهة نحوها ولا مفرداتها ولا بلاغتها وهذا يؤدي إلى كثير من الإشكالات التي تنتج تجاه فهم السنة النبوية وقصور الأمة عن بلوغ فهم الدين وهذا يتطلب منا أن يكون الاهتمام بعلوم اللغة العربية من أهم المهمات لنأمن الزيغ في فهم الديانة ولنكون حصناً حصيناً ضد من يحرف الكلم عن مواضعه، فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما سئل عن سبب انحراف  الخوارج قيل له: من أين أتي هؤلاء؟ وهم يعيشون بين الصحابة وأدركوا من أدركوا منهم قال كلمته المشهورة : ( من العجمة أُتوا ) ، وهم عرب لكن أصابتهم العجمة لكثرة مخالطة الأعاجم، أو لعدم فهمهم اللغة العربية الفهم الصحيح مع من أدرك التنزيل، قال ( من العجمة أُتوا ) ، العجمة تشمل عدم فهم اللغة على مواقعها، وأيضاً تشمل عدم فهم اللسان العربي بنحوه وعلومه، وهذا يتطلب منا الكثير من العمل تجاه ضبط اللغة العربية، لا بد أن يوجد في الأمة فرضاً كفائيا من يحمي هذه اللغة وليس عدد محدود، واحد اثنين ثلاثة أربعة، لابد أن يتوافر في الأمة العدد الكبير لأن فهم اللغة سيضيق المجال على من يريد تحريف الكلم عن مواضعه في القرآن وفي سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن العيب الكبير أن يكون طالب العلم إما في درسه وإما في منبره أو في تأليفه أن يكون لُحَّنَة كثر اللحن، إذا ورد اللحن مرة أو مرتين أو قليل فإن هذا مما قد يجري لكن ألا يهتم هو بعلوم اللغة العربية فكيف يوثق به أن يكون فاهماً للدين الذي نزل بهذا اللسان العربي، (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) والقرآن والسنة هي من اللسان العربي.

السنة النبوية الكثير من الناس من جعلها معارضة في بعض ما فيها للعقل وقالوا إن فيها ما يحيله العقل وما يأباه العقل والشأن ليس فيما يضاد السنة من العقل وإنما الشأن في ثبوت السنة التي هي أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وتقريراته، أو في العقل هل هو عقل متفق عليه أو عقل غير متفق عليه، لذلك فإن أهل العصر اليوم منهم من يطعن في السنة من هذا النحو ، كان من اللوازم أن نضع ما يحيي في الناس الاعتزاز بالسنة فهما وتطبيقاً وأنها مقدمة إذا ثبتت على عقل ناقص.

السنة النبوية في فهمها ودفع الإشكالات عنها لا تفهم إلا مجموعة فإن من الأحاديث ما يفهم باستقلال ومن الأحاديث مالا يفهم إلا بالأحاديث الأخرى إذا كانت في موضوع آخر أو إذا كانت طرقاً في الموضوع نفسه بزيادة لفظ أو بزيادة قيد أو نحو ذلك، لذلك كان فهم السنة عن طريق جمع السنة وجمع الروايات ومعرفة الأصح منها ومعرفة اللفظ المحفوظ من غيره من مهمة العلماء لحفظ الدين ولرد الإشكالات المعلومة، مثلا الحديث المشهور الذي رواه مسلم في الصحيح ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على قوم من أهل المدينة وهم يؤبرون النخل قال: ( لو لم يفعلوا لما كان عليهم )، وتركوه لما سمعوا هذا من النبي صلى الله عليه وسلم، تركوا التأبير فشاص النخل فأبلغوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا إننا سمعنا ما قلت فتركنا التأبير، فهنا جاءت روايات مختلفة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما هي حادثة واحدة فإنه من قال هناك من رواها بقوله أنتم أعلم بأمور دنياكم، وهذه الرواية مشهورة، لكن الأحفظ عند أهل الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام: إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، وهذا يعطي معنى واسعا في أمور أخرى في بحث معروف الألفاظ كلها في صحيح مسلم وهناك مناقشات كثيرة في ألفاظ أخر فإذا الشأن في ثبوت اللفظ وفي العناية به سنداً ومتناً ثم الكلام على ذلك مما يؤدي إلى ذلك من علوم.

هذه الندوة "ندوة فهم السنة النبوية" أيضاً ستعنى بالعمل ما بين السنة النبوية وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام من الأقوال والأفعال والتقريرات وماروي عنه عليه الصلاة والسلام وما تقضي به مقاصد الشريعة المحمدية النبوية، فإن مقاصد الشريعة الناس فيها ما بين غال فيها وجافٍ عنها ما بين من يقول العبرة بالنص ولا عبرة بالمقصد، ومنهم من يقول العبرة بالمقاصد لأنها كليات دون الألفاظ الظنية أو الروايات الظنية التي لا تصل إلى حد التواتر، والصواب في ذلك العدل في هذا وهذا فإن السنة إذا كانت صحيحة فإنها موافقة بل هي مقاصد الشريعة تؤخذ منها فإن مقاصد الشريعة المعلومة إنما تؤخذ من القرآن الكريم ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، فلذلك لا وجه لإعمال التعارض ما بين المقاصد الكلية والقواعد العامة، وما بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل يعمل هذا وهذا بحماية للعلم ونظر فيه من كامل جهاته، وهذا وأمثاله مما يكون من البحوث التي ربما ستتطرق لها هذه الندوة بتفصيلات واستيعاب من علماء أجلاء ومن متخصصين وباحثين ونخبة كبيرة أعدت لهم هذه الندوة لكي يوضحوا للناس الفهم الصحيح والضوابط والإشكالات.

أجدني في هذا المقام مسرورا غاية السرور، ومهتبلاً هذه الفرصة لأضع الأمل في أن هذه الندوة وما يماثلها هي في طريق تجديد هذه الديانة وتجديد الاهتمام بالسنة وتجديد النظر الشرعي الصحيح فيما هو من إحياء الدين ومن تجديده، فأسأل الله جل وعلى التوفيق والسداد لمن أقامها لجميع الإخوة العاملين في موقع شبكة السنة النبوية وجميع من أعانهم وأسهم، كما أشكر في فاتحة هذه الندوة كل الإخوة العلماء والباحثين الذين سيلقون بحوثهم ويثروننا بالعلم النافع الذي سينقل للناس وسيكون له أثره البالغ إن شاء الله تعالى.

أسأل الله لنا ولكم الرشد والسداد وأن يجعلنا من الموفقين في الدنيا ومن الآمنين في الآخرة، إنه جواد كريم، اللهم وفق ولاة أمورنا لما فيه الرشد والسداد واجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى وألهمنا الرشد في أول أمرنا وفي آخره، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

 



بحث عن بحث