التربية الإيمانية(11)

 

 

التأييد الإلهي للفئة المؤمنة :

عندما ننظر إلى المعارك التي خاضها الجيل الأول مع أعداء الدين نجد أن الميزان «المادي» يميل بقوة نحو أعدائهم من حيث العدد والعدة ، ومع ذلك كان النصر حليف المؤمنين ، مع الأخذ في الاعتبار بأن الفئة المؤمنة لم تُقصر أبدًا في الأخذ بالأسباب المادية المتاحة أمامها ، ولكن كانت تلك الأسباب – مهما بلغت - أقل بكثير مما عند أعدائهم .

 ففي معركة بدر يتجلى التأييد الإلهي في صور متعددة ليتوج في النهاية بنصر عزيز : ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) [الأنفال/11، 12].

وفي فتح المدائن سخر الله نهر دجلة ليعبُر عليه المسلمون بخيولهم ... فبعد انتصار القادسية العظيم – كما يقول ابن كثير في البداية والنهاية – دخل سعد بن أبي وقاص (نهر شير) ولكنه لم يجد فيها أحد ولا شيئًا مما يُغنم ، بل قد تحول الفرس إلى المدائن وركبوا السفن ، وضمُّوا السفن إليهم ، ولم يجد سعد رضي الله عنه شيئا من السفن ( لعبور نهر دجلة ) ، وأخبر سعد بأن كسرى يزدجرد عازم على أخذ الأموال والأمتعة من المدائن ، وإنك إن لم تدركه قبل ثلاث فات عليك وتفارط الأمر .

فخطب سعد المسلمين على شاطئ دجلة فحمد الله وأثنى عليه وقال : إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تَخلُصون ( تَصلُون ) إليهم معه ، وهم يخلُصون إليكم إذا شاؤوا فيناوشونكم في سفنهم ، وإني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم ، فقالوا جميعًا : عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل ، فندب سعد الناس إلى العبور .. وقد أمر سعد المسلمين عند دخول الماء أن يقولوا : « نستعين بالله ونتوكل عليه ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » ، ثم اقتحم بفرسه دجلة واقتحم الناس ، ولم يتخلف عنه أحد ، فساروا فيها كأنما يسيرون على وجه الأرض حتى ملؤوا ما بين الجانبين ، فلا يُرى وجه الماء من الفرسان والرجَّالة ، وجعل الناس يتحدثون على وجه الماء كما يتحدثون على وجه الأرض ، وذلك لما حصل لهم من الطمأنينة والأمن ، والوثوق بأمر الله ووعده ونصره وتأييده .. ولم يُعدم للمسلمين شيء من أمتعتهم غير قدح من خشب لرجل يقال له مالك بن عامر ، فدعا صاحبه الله عز وجل وقال : اللهم لا تجعلني من بينهم يذهب متاعي ، فرده الموج إلى الجانب الذي يقصدونه ، فأخذه الناس ثم ردوه على صاحبه بعينه .

وعندما رآهم الفرس يطفون على وجه الماء قالوا : ديوانًا ديوانًا ، أي : مجانين مجانين . ثم قالوا : والله ما تقاتلون إنسًا ، بل تقاتلون جنًّا .

وخرج المسلمون من النهر ولم يغرق منهم أحد ، ولم يفقدوا شيئًا ، ودخلوا المدائن ولم يجدوا بها أحدًا(1).


(1) البداية والنهاية لابن كثير 7/70-72 باختصار ، وانظر : نظرات في التربية الإيمانية ص 22 وما بعدها

 

 



بحث عن بحث