التربية الإيمانية(10)
نماذج للولاية والتأييد الإلهي :
والنماذج العملية للتأييد الإلهي للمؤمنين كثيرة ، سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة المؤمنة .
فعلى مستوى الفرد :
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب « مُجابي الدعوة » عن أنس بن مالك ، قال : كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق وكان تاجرًا يتَّجر بمالٍ له ولغيره ، وكان له نُسك وورع ، فخرج مرة ، فلقيه لِص مُتَقَنِّع في السلاح ، فقال : ضع متاعك فإني قاتلك ، قال : شأنك بالمال ، قال : لست أُريد إلا دمك ، قال : فذرني أُصلي ، قال : صلِّ ما بدا لك ، فتوضأ ثم صلَّى ، فكان من دعائه : يا ودود ، يا ذا العرش المجيد ، يا فعَّالًا لما يُريد ، أسألك بعزتك التي لا تُرام (1)، وملكك الذي لا يُضام (2)، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك ، أن تكفيني شر هذا اللص ، يا مغيث أغثني ، قالها ثلاثًا ، فإذا هو بفارس ، بيده حربة رافعها بين أذني فرسه ، فطعن اللص فقتله ، ثم أقبل على التاجر ، فقال من أنت ، فقد أغاثني الله بك ؟ قال : إني ملَك من أهل السماء الرابعة ، لما دعوتَ سمعت لأبواب السماء قعقعة ، ثم دعوتَ ثانيًا ، فسُمعت لأهل السماء ضجَّة ، ثم ثالثًا فقيل : دعاء مكروب ، فسألت الله أن يُوليني قتله (3) .
* وأخرج الحاكم عن محمد بن المنكدر أن « سفينة » رضي الله عنه - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها ، فركبت لوحًا من ألواحها فطرحني اللوح في أجَمَة (4) فيها الأسد ، فأقبل إليّ يُريدني ، فقلت يا أبا الحارث : أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطأطأ رأسه ، واقبل إليّ ، فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة ووضعني على الطريق ، وهمهم ، فظننت أنه يودعني ، فكان ذلك آخر عهدي به(5) .
* ولما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر ، أتى أهلها حين دخل بؤنة ( من أشهُر القبط ) فقالوا له : أيها الأمير ، إن لنيلنا هذا سُنة لا يجري إلا بها ، فقال لهم : وما ذاك ؟ قالوا : إنه كان لثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بِكر بين أبويها ، فأرضينا أبويها ، وجعلنا عليها شيئًا من الحُلي والثياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في هذا النيل ، فقال لهم عمرو : إن هذا لا يكون في الإسلام ، فإن الإسلام يهدم ما قبله ، فأقاموا أشهُر: بؤنة ، وأبيب ، ومَسَرى لا يجري قليلًا ولا كثيرًا حتى همُّوا بالجلاء ، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك ، فكتب إليه عمر : قد أصبت ، إن الإسلام يهدم ما قبله ، وقد بعثت إليك ببطاقة ، فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي ، فلما قدِم الكتاب على عمرو فتح البطاقة فإذا فيها:
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر : أما بعد :
فإن كنت تجري من قِبَلِك فلا تجر ، وإن كان الواحد القهار يُجريك ، فنسأل الله الواحد القهار أن يُجريك .
فألقى عمرو البطاقة في النيل – وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها ، لأنهم لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل – فأصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا ، وقطع تلك السُنَّة السوء عن أهل مصر(6).
(1) لا تُرام : لا تُطلب .
(2) لا يُضام : لا يُذَل .
(3) الإصابة ( 4/182) .
(4) أجمة : شجر كثير ملتف ( غابة).
(5) إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري رقم ( 6848 ) ، ومعرفة الصحابة لأبي نُعيم ، برقم ( 3102 ) ، وفي دلائل النبوة للبيهقي ، برقم ( 2293 ) .
(6) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (4/1424 ، رقم 9373) ، وابن عساكر (44/336) ، انظر حياة الصحابة 3/408 ، 409 .