التربية الإيمانية(8)

 

الثمرة الرابعة : التأييد الإلهي.

  الله عز وجل هو مالك الكون وربه ومدبر أمره ( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) [البقرة/284] .

لا يوجد له شريك في ملكه ، يفعل ما يشاء .. يُقدِّم ويُؤخِّر ، يقبض ويبسط ، يخفض ويرفع ، يُعز ويُذل ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر/2] .

وإذا كان البشر كلهم أمام الله سواء فلا أفضلية لجنس أو قبيلة أو لون، إلا أنه سبحانه يزيد من إكرامه وعنايته ورعايته للمؤمنين الذين يحبونه ويؤثرونه على هواهم ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) [الجاثية/21] .

فالكرامة على قدر الاستقامة ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات/13] .

( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) [الجن/16] .

وكلما ارتقى العبد في سلم الإيمان ازدادت ولاية الله له ( وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) [الأعراف/196] .

وفي الحديث القدسي(1) ( ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )(2).

هذه الولاية والكفاية تشمل الفرد المؤمن ، وتشمل المجتمع المؤمن أفرادا وجماعات:

 فعلى مستوى الفرد : يتولى الله عز وجل أمور عبده المؤمن بما يُحقق له مصلحته الحقيقية ويجلب له السعادة في الدارين ، وفي بعض الأحيان قد تكون من مظاهر تلك الولاية التضييق على العبد في أمور الدنيا إلا أنها تحمل في طياتها خيرًا كثيرًا ، وفي هذا المعنى يقول صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يُحبه ، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه )(3).

 

وأما في محيط الأمة : فلا يكفي إيمان بعض الأفراد – هنا وهناك – لكي تتحقق بهم الولاية والنصرة للأمة ، فالأمة كالجسد الواحد ، لا يكون صحيحًا إلا إذا صحَّت جميع أعضائه . 

بمعنى أن وجود أفراد صالحين في ذواتهم لا يكفي لاستجلاب المعية والنصرة الإلهية ، بل لابد وأن يقوموا بالعمل على إصلاح غيرهم – بإذن الله – وأن يبذلوا غاية جهدهم في ذلك من خلال العمل على تقوية الإيمان في قلوبهم ، وتصحيح التصورات والمفاهيم الخاطئة في عقولهم ، ودفعهم إلى طريق التواضع ونكران الذات ، وتعويدهم على بذل الجهد في سبيل الله .

وعندما تشيع معاني الصلاح في الأمة ويرتفع منسوب الإيمان في القلوب ، ولو بنسبة معقولة تتيح للمسلم اتخاذ قرارات التضحية ببعض شهواته ومصالحه من أجل نصرة دينه .. عندئذ يتحقق موعود الله بنصر الأمة – بإذنه سبحانه – مصداقا لقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد/11] .

وتاريخ الأمة خير شاهد على أنه عندما يغلب الإيمان والصلاح  على جيل من أجيال الأمة فإن النصر يكون حليفهم ، والتأييد الإلهي لا يتجاوزهم .. انظر – إن شئت – إلى آيات القرآن وهي تقرر وتؤكد على هذا المعنى في قوله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) [آل عمران/120] ، وقوله : ( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) [آل عمران/125] .

فالآية تؤكد أن الملائكة ستنزل سريعًا لتؤيد المؤمنين ، وتقاتل معهم فور تحققهم بالصبر والتقوى ، وفي المقابل ؛ فعندما يغيب الإيمان ينقطع التأييد الإلهي ، ويُترك المسلمون لأعدائهم ليسوموهم سوء العذاب(4). 


(1) الحديث القدسي هو الذي يسنده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل .

(2) أخرجه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب التواضع ( 6502 ).

(3)حديث صحيح :  أخرجه أحمد (رقم 23677) . وأخرجه أيضًا : البيهقي في شعب الإيمان (رقم 10450) ، والحاكم (رقم 7465) وصححه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، ح 1814.

(4) نظرات في التربية الإيمانية ص 18 وما بعدها .

 



بحث عن بحث