جوانب التربية الإسلامية(2)

 

ضرورة التكامل التربوي عند المسلم :

المكونات الأربعة :

خلق الله عز وجل الإنسان بتكوين يشمل أربعة جوانب رئيسية هي : العقل، والقلب ، والنفس ، والجسد .

وعندما يبدأ الإنسان رحلته على الأرض منذ نزوله من بطن أمه ، فإنما يبدأها بهذه المكونات الأربعة وهي غير مكتملة النمو، فقد جعلها – سبحانه – تبدأ صغيرة محدودة الإمكانات،وأودع فيها خاصية النماء :( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [النحل/78] .

هذه الجوانب الأربعة تحتاج إلى دوام تعاهد وإمداد يترك فيها أثره الدائم في اتجاه تحقيق الهدف من وجود الإنسان على الأرض ألا وهو : تحقيق العبودية الصحيحة لله عز وجل .

ولكي يظهر الأثر الإيجابي الدائم في كل من هذه الجوانب كان من الضروري سلوك طريق التربية .

فالتربية كما ذكرنا عن الإمام البيضاوي : هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا ، ويمكن تعريفها كذلك بأنها الأداة التي تقوم بإحداث تغيير أو أثر دائم في الشيء .

لذلك فإن من أهم أهداف التربية الإسلامية الصحيحة هو : إحداث أثر إيجابي دائم في المكونات الأربعة للإنسان،ينتج عنه تغيير حقيقي في ذاته ليشمل : المفاهيم والتصورات في العقل ، وإصلاح الإيمان في القلب ، وتزكية النفس وترويضها على لزوم الصدق والإخلاص والتواضع ونكران الذات .

ويشمل كذلك ضبط حركة المرء والتعود على بذل الجهد في سبيل الله عز وجل ، لتكون ثمرة هذا التغيير - في هذه المحاور – تنشئة المسلم الصالح المصلح الذي تتأسس عليه الأسرة المسلمة ، فالمجتمع المسلم(1) ...

ضوابط التربية :

هناك عدة أمور ينبغي مراعاتها عند الحديث عن ( التربية )، وضرورتها في تغيير الفرد والأمة.

أولًا : أن يتم تبنِّيها كثابت رئيسي ومتفرد للتغيير الحقيقي ، فلئن كان تغيير وضع الفرد أو الأمة من السيئ للأحسن مرتبط بتغيير ما بالنفس كما قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد/11] .

فإن حدوث هذا التغيير يستلزم سلوك طريق ( التربية )

يحكي أحد الدعاة  تجربته في الدعوة والتي أيقن من خلالها ضرورة التوجه نحو التربية لتغيير الفرد والأمة على منهج الإسلام ، فيقول :

" طالعت كثيرًا ، وجربت كثيرًا ، وخالطت أوساطًا كثيرة وشهدت حوادث عدة ، فخرجت من هذه السياحة القصيرة بعقيدة ثابتة لا تتزلزل ، هي أن السعادة التي ينشدها الناس جميعا إنما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم ، ولا تأتيهم من خارج هذه القلوب أبدا ، وأن الشقاء الذي يحيط بهم ويهربون منه إنما يصيبهم بهذه النفوس والقلوب كذلك ، وإن القرآن يؤيد هذا المعنى ، ويوضح ذلك قول الله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )[الرعد/11] .

اعتقدتُ هذا ، واعتقدتُ إلى جانبه أنه ليس هناك نُظُم ولا تعاليم تكفل سعادة هذه النفوس البشرية ، وتهدي الناس إلى الطرق العملية الواضحة لهذه السعادة كتعاليم الإسلام الحنيف الفطرية الواضحة العملية ..

لهذا وقَفْتُ نفسي منذ نشأت على غاية واحدة ، هي إرشاد الناس على الإسلام حقيقة وعملًا "..

و في موضع آخر يقول رحمه الله :

" إن الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء .. كل ذلك وحده لا يُجدي نفعًا ، ولا يُحقق غاية ، ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف ؛ ولكن للدعوات وسائل لابد من الأخذ بها والعمل لها .  والوسائل العاملة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة :

1- الإيمان العميق              

2- التكوين الدقيق       

3- العمل المتواصل(2) .


(1)  نظرات في التربية الإيمانية ص 5 .

(2) رسالة بين الأمس واليوم ، ص 108  .

 



بحث عن بحث