الخصيصة الرابعة/ تربية عمدتها التوازن، وقوامها الوسطية (5-11)

 

وبهذا وضع النبي صلى الله عليه وسلم الميزان المعتدل في العمل لمن أراد أن يسلكه ، فعلى الداعية إلي الله تعالي الاستفادة من هذا المنهج النبوي الكريم في التربية والتعليم .

 

وعن حنظلة رضي الله عنه قال : لقيني أبو بكر . فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال : قلت : نافق حنظلة . قال : سبحان الله ، ما تقول ؟ قال : قلت : نكون عند رسول الله صلي الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة ، حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، فنسينا كثيرا . قال أبو بكر : فوالله إنا لنلقي مثل هذا . فانطلقت أنا وابو بكر ، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وما ذاك ؟) قلت : يا رسول الله نكون عندك ، تذكرنا بالنار والجنة حتي كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، فنسينا كثيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده ، إن لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة )(1) .

 

ففي هذا الحديث يصور حنظلة رضي الله عنه إحساسه ومشاعره وزيادة إيمانه وتعلقه بالآخرة عندما يكون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند مصاحبته له، وضعف ذلك عندما ينشغل بأمر المعاش ومداعبة الزوجة وملاعبة الأولاد، فظن رضي الله عنه هذا التغير بين الحالتين دليلا على النفاق فخشي على نفسه منه ، فأخبر صديقه الحميم أبا بكر الصديق بإحساسه، فتوافق الصاحبان في الإحساس والشعور وخافا على نفسيهما من أثره ، فهرعا إلى مربيهم ومعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبراه بالخبر .

 

فوضح لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الشعور والإحساس طبيعي في البشر ، وأن الله فطرهم عليه ، وانه ليس دليلا على النفاق ، وأعلمهم أنه لا حرج عليهم فيما يفعلونه من مداعبة الزوجات وملاعبة الأولاد والقيام على شؤونهم والسعي في النفقة عليهم وأنهم مأجورون عليه من الله تعالى ، ما دام أنه لا يفوت عليهم شيئا مما أوجبه الله تعالى ، وأنه لا تعارض عندئذ بين الحالتين .



(1) - أخرجه مسلم ، كتاب التوبة ، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا ( 2750 ).

 



بحث عن بحث