الخصيصة الرابعة/ تربية عمدتها التوازن، وقوامها الوسطية (4-11)

 

وبهذا وضع النبي صلى الله عليه وسلم الميزان المعتدل في العمل لمن أراد أن يسلكه ، فعلى الداعية إلى الله تعالى الاستفادة من هذا المنهج النبوي الكريم في التربية والتعليم .

عن حنظلة رضي الله عنه قال : لقيني أبو بكر . فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال قلت : : نافق حنظلة . قال : سبحان الله ، ما تقول ؟ قال : قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . يذكرنا بالنار والجنة ، حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، فنسينا كثيرا . قال أبو بكر : فو الله إنا لنلقى مثل هذا . فانطلقت أنا وأبو بكر ، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما ذلك " ؟ قلت : يا رسول الله نكون عندك ، تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، فنسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إن لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة " (1) .

ففي هذا الحديث يصور حنظلة رضي الله عنه إحساسه ومشاعره وزيادة إيمانه وتعلقه بالآخرة عندما يكون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند مصاحبته له . وضعف ذلك عندما ينشغل بأمر المعاش ومداعبة الزوجة وملاعبة الأولاد . فظن رضي الله عنه هذا التغير بين الحالتين دليلا على النفاق فخشي على نفسه منه ، فأخبر صديقه الحميم أبا بكر الصديق بإحساسه. فتوافق الصاحبان في الإحساس والشعور وخافا على نفسيهما من أثره فهرعا إلى مربيهم ومعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبراه بالخبر .

فوضح لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الشعور والإحساس طبيعي في البشر ، وأن الله فطرهم عليه ، وأنه ليس دليلا على النفاق .

وأعلمهم أنه لا حرج عليهم فيما يفعلونه من مداعبة الزوجات وملاعبة الأولاد والقيام على شؤونهم والسعي في النفقة عليهم وأنهم مأجورون عليه من الله تعالى ، ما دام أنه لا يفوت عليهم شيئا مما أوجبه الله تعالى . وأنه لا تعارض عندئذ بين الحالتين .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن ينجي أحدا منكم عمله " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته ، سددوا وقاربوا ، واغدوا وروحوا ، وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا "(2)   

 


 

(1) -رواه مسلم ، كتاب التوبة ، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة . وجواز ترك تلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا 4/ 2106  رقم الحديث ( 2750 ) .

(2) - رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب القصد والمداومة على العمل 7/ 232 ، رقم الحديث 6463 . وأخرجه مسلم ، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله 4/ 2169 رقم الحديث ( 2816 ) .

( اغدوا ) من الغدو وهو السير أول النهار . ( روحوا ) من الرواح وهو السير في النصف = الثاني من النهار . ( الدلجة ) السير آخر الليل . ( القصد ) الزموا الوسط المعتدل في الأمور . ( تبلغوا ) مقصدكم وبغيتكم  .

 



بحث عن بحث