خصائص التربية النبوية (الشمولية ) (3-3)

 

 

 الخصيصة الثالثة/ تربية شمولية:

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ( الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان )(1).

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حين يحدد ذلك، فإنما يريد أن يبين لنا أن الإيمان ينظم أمور الحياة كلها، فأعلى شعب الإيمان العقيدة ، وأدناها - أي وأبسطها- إماطة الأذى عن الطريق ، وبين الأعلى والأدنى تندرج كل شؤون المسلم، من عقيدة صحيحة ، وعمل صالح ، وخلق فاضل، ومعاملة حسنة ، وسلوك مستقيم .

ومن العجيب أن المشركين تنبهوا إلى تلك المسألة، أي إلى شمول المنهج الإسلامي لكل صغيرة وكبيرة في شؤون الحياة.

روى الإمام مسلم في صحيحه عن سلمان قال : قيل له ــ وفي رواية أخرى ــ قال لنا المشركون :قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة ، قال : فقال : أجل ، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول ، أو نستنجي باليمين ، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع، أو عظم(2).  

والمقصود بالخراءة هنا: الهيئة التي يتخذها الإنسان عند قضاء حاجته، ولذلك فصلها الصحابي الجليل سلمان الفارسي على النحو المذكور .

فانظر كيف فهم المشركون عموم الإسلام وشموله لكل شيء، حتى هيئة قضاء الحاجة .

يقول الدكتور/ عماد الدين خليل متحدثا عن هذه الخصيصة : (الشمولية التي تميزت بها حضارة الإسلام : القدرة على التحقق بكافة الأنشطة ، والامتداد إلى كافة المناحي ، والتوغل في نسيج الحياة والوجود ، ومتابعة كل ما من شأنه أن يهم الإنسان) .

وهكذا وجدنا بناة هذه الحضارة يسعون في الأرض لكي يمسوا كل قضية، ويتعاملوا مع كل موقف، ويركبوا ويبنوا من كل ما يقع تحت أيديهم من حيثيات ومواد، فما ثمة أمر مما يهم العقل، أو الروح، أو الجسد، أو الحس، أو الوجدان إلا قالوا فيه كلمتهم ، وقدموا حسب قدراتهم وإمكاناتهم يومها التعبير الحضاري المناسب .

لم ينكمشوا يوما إزاء الجانب، أو ذاك من جوانب الكون والعالم ،      

ولا انحسروا إزاء هذه المساحة أو تلك، من سطح الوجود ، ولا هربوا أو فروا أمام معضلة من معضلاته .

إنها الحضارة التي تحركت لكي تقدم طعاما أكثر مادة غذائية، صالحة    للعقل، والجسد، والروح، في وقت واحد، وكانت في هذه المجالات الثلاثة تملك الخبرة التي تمكنها من أن تعد أجود صنوف الطعام (3).


 


(1) - أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان ( 9 ) ومسلم، كتاب الإيمان ( 35 ).

(2) - أخرجه مسلم ، كتاب الطهارة ، باب الاستطارة  .

(3) - مؤشرات حول الحضارة الإسلامية  ص64،65.

 

 

 

 

 



بحث عن بحث