خصائص التربية النبوية (الشمولية ) (2-3)

 

 

الخصيصة الثالثة/ تربية شمولية:

 

ويعجز الإنسان حقا عن استقصاء النواحي العبادية التي دعا إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم- من أجل تهذيب النفس، والسمو بها من أدران المادة، والارتقاء بها من مفاسد الحياة.

 

وأحب هنا ألا يتبادر إلي ذهن واحد منا أن العبادة هي الصلاة، والزكاة، والصيام، وما شابه ذلك فحسب؛ بل إن العبادة كما أوضحنا سابقا هي طاعة الله - عز وجل- في كل ما أمر ونهى، والعمل على ما يرضيه، والابتعاد عما يغضبه؛ ليتحقق قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(1).

 

والنفس إنما ترتقي وتسمو بطاعة الله أيًّا كانت ، والسير على نهجه حيثما حثَّ وَوَجَّهَ ، وعلى هذا فإننا نجد أن الإسلام قد جعل حياة المسلم كلهاعبادة، فالطعام، والشراب، والنوم، والنكاح، إذا نوى المرء بها وجه الله - عز وجل- عبادة يؤجر عليها .

 

عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه- قال : إن ناسًا قالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم . قال :" أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة "، قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال :" أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ".(2)

 

ونلاحظ في هذا الحديث أنه قد ربط فكرة الثواب بكل الأفعال الإنسانية بلا استثناء، وخص بالذكر مواصلة الرجل زوجته؛ لأنه أبعد ما يخطر على البال، وبذلك يكون غيره من الأفعال كالطعام، والشراب، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر .... إلخ مربوطًا بفكرة الثواب من باب أقرب .

 

والناس عادة ينظرون إلى أمور الحياة من طعام، وشراب، ونوم، على أنها أمور مباحة، لا تدخل في حيز المثوبة الإلهية، أو البشرية، ولكن هذا الحديث أدخلها في دائرة الثواب، فشمل كل أعمال الإنسان العادية، وأحاط بكل تصرفاته، وأحصى جميع أفعاله اليومية، وجعل لكل ذلك ثوابا وأجرًا إذا أخلصت النية في هذه الأفعال .

ولما كانت النية مرتبطة بالقلب والوجدان، ومتحركة بالسلوك الفردي، والقناعة الذاتية، فإن التربية الشمولية هنا تصل إلي غاية النجاح فيما تحقق من سلوك جيد في جميع أعمال الإنسان.(3)

 

 


 


(1) - سورة الذاريات / 56 .

(2) - أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع علي كل نوع من أنواع المعروف.

(3) - انظر: المربي محمد ص 46 ، 47 .

 

 

 



بحث عن بحث