خصائص التربية النبوية

 

الخصيصة الثالثة : تربية شمولية

 

إن الدارس لتاريخ التربية عند مختلف الشعوب لا يجد تربية واحدة فريدة حاولت أن تشمل كل مواهب الفرد، وأجزاء الإنسان، وأن تشمل كل أفراد المجتمع صغارًا وكبارًا، وكل أفراد البشرية علي اختلاف أوطانهم، وأراضيهم، سوى التربية النبوية.

 

بل إن الباحث في فنون التربية يجد أن كل المربين قد حصروا أنفسهم في نطاق ضيق، وتناولوا جزءًا، أو بعض أجزاء الحياة الإنسانية، فبعضهم اعتنى بالطفل، وأهمل الرجل والمرأة، وبعضهم اعتني بالعقل، وأهمل الجسم، وبعضهم اعتني بالجسم، وأهمل النفس...إلخ .

 

أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإنه وضع أركان التربية النبوية علي أساس من الشمول لكل حياة الإنسان ، وكل أسباب هذه الحياة ، وأقام حياة الإنسان علي محور توازني ، ونظرت التربية النبوية للإنسان علي أنه كل يتألف من أجزاء لابد لها أن تأخذ قسطا من العناية، وأن تتوازي ، فالروح، والجسد، والعقل، والنفس ....إلخ، كل هذا له قيمته في الإسلام ، وكل جزء له وظيفته التي يقوم بها ، لا يجوز للجزء الآخر أن يطغى عليها.

 

ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلي أن التربية النبوية شملت دوائر تتسع وتتسع ، مركزها الفرد، ثم الأسرة، ثم المجتمع، ثم البشرية ، وذلك في نطاق ما قبل الوجود، والوجود وما بعد الوجود ، فلا صغيرة، أو كبيرة ، تخرج عن نطاق هذه التربية .

 

والسر في ذلك يكمن في كون التربية النبوية جزءًا من الدين الإسلامي الذي نظم حياة البشرية على وجه البسيطة، في أفرادها، ومجموعها، وعلاقاتها، ومعاملاتها ، وأحاط بكل ما يمس هذه البشرية من خير وشر ، فدعا إلى الخير ونهى عن الشر .

   

  قال تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة وبشرى للمسلمين * إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى  وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون * وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها .....)(1).

 

 لذا نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم- في تربيته لم يعن بالرجل وحده ، ولا بالمرأة وحدها ، ولا بالطفل وحده ، بل كانت عنايته موجهة إلي الطفل في مهده ، وإلي المرأة في بيتها وخدرها ، وإلى الرجل في عمله وبيته .

والأحاديث التي تتناول كلا من هؤلاء كثيرة لا يمكن حصرها، والإحاطة بها ، وقد شملت من الرجل، والمرأة، والطفل، روحه، وجسده، وعقله، وفكره، وخلقه .

 

فمن حيث الروح حض الرسول - صلى الله عليه وسلم- على العبادة ، وطلب من المسلم أن يكون عابدا لله مطيعا له ، وسن للمسلمين من طرق العبادة ما لا يمكن حصره بوقت معين ، بل إن حياة المسلم كلها في نظره عبادة ، كل هذا من أجل تقوية الصلة، وجعلها وثيقة بين العبد وربه ، هذه الصلة التي تبتدئ من الإيمان بالله - عز وجل- ربًا وإلهًا ، بكل ما في هاتين الكلمتين من معنى ، وتنتهي بالسلوك المرئي علي أعمال الإنسان، وأفعاله كلها ، ولا يكون هذا الإيمان قويا إلا إذا اعتمد على العلم، والمعرفة، والبراهين العقلية ، ولا يستقيم السلوك الإنساني الفردي والعبادة في نظر التربية النبوية إلا بالإخلاص الذي يعم كل صغيرة وكبيرة من قضايا الفرد ، والذي يعم كل حياة الفرد بعد ذلك، سواء في بيته أو في مجتمعه .

 

وبذلك يبدو كم كانت التربية النبوية تهدف إلي الشمول ، فالشمول فيها لم يكن بسيطا وإنما كان شمولا عاما ، يلاحق الفرد في نفسه ، ويلاحقه في سلوكه ، ويلاحقه في ملكاته الشخصية النفسية، التي لا تظهر إلا لله ، ويلاحقه في أعماله السلوكية، التي تبدو للناس، وتظهر لهم .   

 

  


(1) - سورة النحل / 89 ــ 91 .

 

 

 



بحث عن بحث