المساواة أمام قانون الإسلام

 

ومن المساواة العملية التي قررها الإسلام قولاً، وطبقها فعلاً: المساواة أمام قانون الشرع وأحكام الإسلام.

فالحلال حلال للجميع، والحرام حرام علي الجميع،  والفرائض ملزمة للجميع، والعقوبات مفروضة علي الجميع.

حاولت إحدى القبائل عند الدخول في الإسلام أن تعفى من الصلاة حينا من الزمن ، فأبى عليها ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال : ( لا خير في دين لا صلاة فيه )(1).

وحاول الصحابة أن يشفعوا أسامة بن زيد ـ حِبّ رسول الله وابن حبه ـ في امرأة من قريش ومن بني مخزوم ، سرقت فاستحقت أن يقام عليها حد السرقة ( قطع اليد ) فكلمه فيها أسامة ، فغضب -صلى الله عليه وسلم- غضبته التاريخية المعروفة،  وقال كلمته التي خلدها التاريخ: ( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )(2).

 

وقد أثمرت هذه التربية النبوية، وآتت أكلها في حياة الصحابة -رضي الله عنهم-، فقد تفاعلت نفوسهم مع مبدأ المساواة،  وطبقوه بين جميع الناس ، دون تفريق أو تمييز ، وحسبنا هنا أن نشير إلي بعض الصور .

1 ــ قصة جبلة بن الأيهم ــ الأمير الغساني ــ مع الأعرابي الذي شكا إلي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كيف لطمه جبلة بغير حق، فلم يسع عمر إلا أن يحضر جبلة ، ويطلب إليه أن يمكن الأعرابي ليقتص منه ،  لطمة بلطمة،  إلا أن يعفو عنه ويصفح ، وعَزَّ علي الأمير الغساني أن يفعل ذلك، وقال لعمر بصراحة: كيف يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ؟

فقال عمر : إن الإسلام قد سوَّى بينكما .

ولم يسع الأمير المسكين هذا المعنى الكبير،  وخرج من المدينة هارباً مرتداً عن الإسلام الذي يفرض المساواة بين الملك والسوقة أمام شــرع الله ، وغلبت عليه شقوته فكان من الخاسرين .

ولم يبال عمر ولا الصحابة معه بهذه النتيجة؛ لأن ارتداد رجل عن الإسلام أهون بكثير من التهاون في تطبيق مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام ، كالمساواة، وخسارة فرد لا تقاس بخسارة مبدأ .

2 ــ قصة عمر مع واليه علي مصر : عمرو بن العاص ، حين ضرب ابنه ابن القبطي متطاولاً عليه بأنه ( ابن الأكرمين ) وكيف سافر القبطي من مصر إلى المدينة شاكيا الوالي ، وطالبا النصفة والعدل !

فما كان من عمر إلا أن استدعى عمراً وولده ، وأمر ابن القبطي أن يضرب ابن عمرو كما ضربه ، ثم قال لعمرو كلمته المشهورة : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ).

ومما يلفت الانتباه ويجدر بالتسجيل هنا ، موقف القبطي وسفره من مصر إلى المدينة على بعد المسافة،  ومشقة الطريق ، وضعف الوسائل ، وقد كان هذا القبطي وألوف أمثاله يضربون ويعذبون ويضرب أبناؤهم وأهلوهم في عهد الرومان ، فما يرفعون بالشكاية رأساً ولا يحركون ساكنا .

ترى ما الذي طرأ عليهم؟ وما الذي غيَّر نظرتهم ، وجعلهم يحسون بالظلم ويشكون منه ، ويركبون الصعب في سبيل الانتصاف لأنفسهم ؟

إنه الإسلام بلا ريب، الإسلام أشعرهم بكرامتهم الإنسانية ، وأفهمهم أن لهم حقوقا يجب أن تراعى ، مثلما أن عليهم واجبات ينبغي أن تؤدى ، وعرفوا أن هذه المبادئ الإنسانية الجديدة ليست حبراً على ورق ، ولا مجرد لافتات للدعاية ، وإنما هي دين يجب أن يحترم وينفذ .

فلا عجب أن قطع الرجل الفيافي،  ليطالب بحقه ويسترد كرامته التي صانها له الإسلام.

3 ــ وفي عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ سقطت درع له فالتقطها نصراني،  فعرفها علي معه، فقال : هذه درعي، لكن الرجل أنكر وادعى أنها ملكه، فلم يملك أمير المؤمنين إلا أن يقول للنصراني : بيني وبينك القضاء، وذهبا إلي القاضي شريح ، وبعد سماع الخصمين طلب القاضي من الخليفة بينة علي دعواه ــ أي شهودا ــ فلم يكن عنده،  فما كان من القاضي إلا أن حكم للرجل النصراني بالدرع بحكم وضع يده عليه.

ودُهِشَ النصراني لهذا الحكم الذي لم يكن يتوقعه، فقال: أشهد أن هذه أحكام أنبياء، أمير المؤمنين يذهب معي إلى قاضيه فيحكم لي عليه، وهو يعلم أنه لا يكذب ! أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... الدرع درعك يا أمير المؤمنين، سقطت منك فأخذتها، قال الإمام علي: أما قد أسلمت فهي لك.

أي نظام في الدنيا يعامل رئيس الدولة كما يعامل واحداً من الرعية غير الإسلام ؟!(3).

 

اللهم لك الحمد أن هديتنا إليه وجعلتنا من أهله، ونسألك ربنا أن تتوفانا وأنت راضٍ عنَّا.   


 


(1) - عيون الأثر 2/ 273

(2) - أخرجه البخاري ، كتاب الحدود ، باب إقامة الحدود علي الشريف والوضيع ( 6787 ) ومسلم ، كتاب الحدود ، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود

( 441 ــ 4411 )

(3) - انظر : الخصائص العامة للإسلام ص 89 ــ 91 .

 

 



بحث عن بحث