عبادات الإسلام الرئيسة تثبت معنى المساواة

      ولم يكتف الإسلام بتقرير مبدأ المساواة نظرياَ، وتثبيته فكرياً -وقد كان هذا كافياً لمن يقنعون بالنظريات والأفكار- بل أكده عمليا بجملة أحكام وتعاليم نقلته من فكرة مجردة إلي واقع ملموس.

      من ذلك: العبادات الشعائرية التي فرضها الإسلام، وجعلها الأركان العملية التي يقوم عليها بناؤه العظيم من الصلاة والصيام والزكاة والحج .

ففي مساجد الإسلام- حيث تقام صلاة الجمعة والجماعة -تأخذ المساواة صورتها العملية، وتزول كل الفوارق التي تميز بين الناس،  فمن ذهب إلى المسجد أولاً أخذ مكانه في مقدمة الصفوف، وإن كان أقل الناس مالاً، وأضعفهم جاهاً. ومن تأخر حضوره تأخر مكانه مهما يكن مركزه ، ولو نظرت إلي صف واحد من صفوف المصلين لراعك أن تجد فيه الغني بجانب الفقير،  والعالم بجانب الأمي ، والشريف بجانب الوضيع ، والحاكم بجوار الخادم . لا فرق بين واحد وآخر ، فكلهم سواسية أمام الله ، في قيامهم وقعودهم وركوعهم وسجودهم،  قبلتهم واحدة، وكتابهم واحد ، وربهم واحد ، وحركاتهم واحدة، خلف إمام واحد .

       وفي الأرض المقدسة -حيث تؤدى مناسك الحج والعمرة- تتحقق المساواة بصورة أشد ظهوراً، وتتجسد تجسدا تراه العين ، وتلمسه اليد ، فقد يظل الناس في صف الصلاة متمايزين بما يلبسون من أنواع الثياب التي تختلف باختلاف الأقوام أو البلدان أو الطبقات، أما في الحج والعمرة فإن شعيرة الإحرام تفرض علي الحجاج والمعتمرين أن يتجردوا من ملابسهم العادية ويلبسوا ثياباً بيضاء ساذجة لم يدخلها التكلف والتصنع والتفصيل، أشبه ما تكون بأكفان الموتى، يستوي فيها القادر والعاجز،  والملك والسوقة ، ثم ينطلق الجميع ملبين بهتاف واحـــد ( لبيك اللهم لبيك )،  مبتهلين إلى رب واحد،  طائفين ببيت الله الحرام ،  معظمين لشعائره، لا فرق بين سيد ومسود،  ولا بين آمر ومأمور (1).


 


(1) - انظر : الخصائص العامة للإسلام ص 88 .



بحث عن بحث