تابع للخصيصة الثانية : تربية إنسانية

ثانيا : مبدأ المساواة الإنسانية

  وأما مبدأ المساواة الإنسانية الذي قرره الإسلام ونادى به ، فأساسه : أن الإسلام يحترم الإنسان ويكرمه من حيث هو إنسان ، لا من أي حيثية أخرى ، الإنسان من أي سلالة كان ، ومن أي لون كان ، من غير تفرقة بين عنصر وعنصر ، وبين قوم وقوم ، وبين لون ولون ، مسقطا كل أنواع التفرقة القبلية والعنصرية والقومية واللونية . يقول القرآن الكريم : ( يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )(1).

   وقد خطب النبي - صلى الله عليه وسلم- الناس بمعنى هذه الآية في حجة الوداع في وسط أيام التشريق فقال : ( يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر علي أسود، ولا لأسود علي أحمر إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم )(2) وفي الحديث الآخر : ( الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب )(3).  

    الإنسان من أي وطن كان، وأي بلد كان، وأي طبقة كان، بلا فرق بين وطن ووطن، وبين بلد وبلد، وبين طبقة وطبقة، فالبلاد كلها أرض الله ، والناس كلهم عباد الله ، وبهذا تسقط كل ألوان العصبية الإقليمية والوطنية والطبقية التي تعلي أهل بلد علي غيره .

   بل الإنسان من أي دين كان، فإن اختلاف الدين لا يُسْقِطُ عن المخالفين إنسانيتهم، ولا يخلعهم منها، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم- قام لجنازة، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال:" أليست نفسا" ؟(4).

   لا مكان إذن لجنس متفوق، ولا لشعب مختار، ولا لطبقة متسلطة، ولا لأسرة لها حق السيادة على غيرها.

   قد يختلف الناس في أجناسهم وعناصرهم، فيكون منهم الآري، والسامي، والحامي، والعربي والعجمي.

  وقد يختلفون في أنسابهم وأحسابهم فيكون منهم من ينتهي على أسرة عريقة في المجد ، ومن ينتهي إلى أسرة صغيرة مغمورة في الناس .

  وقد يتفاوت الناس في ثرواتهم فيكون منهم الغني، ومنهم الفقير، ومنهم المتوسط الحال.

  وقد يتفاوتون في أعمالهم ومناصبهم، فيكون منهم الحاكم والمحكوم، ويكون منهم المهندس الكبير، والعامل الصغير، ويكون منهم أستاذ الجامعة، والحارس ببابها.

  ولكن هذا الاختلاف أو التفاوت لا يجعل لواحد منهم قيمة إنسانية أكبر من قيمة الآخر، بسبب جنسه أو لونه أو حسبه أو ثروته أو عمله أو طبقته أو أي اعتبار آخر.

  إن القيمة الإنسانية واحدة للجميع ، فالعربي إنسان، والعجمي إنسان ، والأبيض إنسان والأسود إنسان، والحاكم إنسان والمحكوم إنسان، والغني إنسان والفقير إنسان ، ورب العمل إنسان والعامل إنسان ، والرجل إنسان والمرأة إنسان ، والحر إنسان والعبد إنسان ، وما دام الكل إنسانا ، فهم إذن سواسية كأسنان المشط الواحد .

  ومن هنا اعتبر الإسلام الاعتداء على نفس أي إنسان اعتداء علي الإنسانية كلها ، كما جعل إنقاذ أي نفس إنقاذا للجميع ، هذا ما قرره القرآن الكريم بوضوح : ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )(5) .


(1) - سورة الحجرات / 13.

(2) - أخرجه أحمد ( 5 / 411 رقم 23536 )وقال الهيثمي في المجمع ( 3 / 336 ) : رجاله رجال الصحيح . وقال في إتحاف الخيرة المهرة ( 3 / 64 ) : رواه مسدد ورجاله ثقات .

(3) - أخرجه الترمذي ، كتاب المناقب ، باب في فضل الشام واليمن ( 3955ــ 3956 ) وقال : هذا حديث حسن .

(4) - أخرجه البخاري ،كتاب الجنائز ، باب من قام لجنازة يهودي ( 1312 ) .

(5) - سورة المائدة / 32 .



بحث عن بحث