شمول العبادة لكيان الانسان كله

ويتعبد المسلم لله باللسان عن طريق الذكر والتلاوة والدعاء والتسبيح والتهليل والتكبير، جاء في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [ سورة الأحزاب / 41-42 ]، (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ) [ سورة الأعراف / 205 ].

وقال عليه الصلاة والسلام: (إقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)(1).

وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن شرائع الإسلام قد كثرت على فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله)(2).

والذكر نوعان: ذكر ثناء مثل: (سبحانه الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).

وذكر دعاء مثل: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(3).

وقد جاء من النوعين عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية وأذكار كثيرة، في مختلف المناسبات والأوقات، تجعل المسلم موصول القلب بربه، ورطب اللسان بذكره تعالى: عند النوم واليقظة، وعند الإصباح والإمساء، وعند الأكل والشرب، وعند السفر والأوبة، عند لبس الثوب، وركوب الدابة، وهبة الريح ونزول المطر، وفي كل حال وكل حين، وقد ألف العلماء في ذلك كتبا شتى(4).

والذكر المحمود هو ما اجتمع فيه القلب واللسان، ولا خير في ذكر اللسان إذا كان القلب ناسيا غافلاً.

ويتعبد المسلم لله ببدنه كله: إما كفا وامتناعا عن ملذات البدن وشهواته، كما في الصيام، وإما حركة وعملا ونشاطا، كما في الصلاة التي يتحرك فيها البدن كله،اللسان والأعضاء، مع العقل والقلب.

ويتعبد المسلم لله ببذل المال الذي هو شقيق الروح، كما في الزكاة والصدقات، وهذا ما يسميه الفقهاء (العبادة المالية) كما سموا الصلاة والصوم (العبادة البدنية) ويعنون بكلمة (البدن) هنا كيان الإنسان كله لا الجسم المادي وحده، فإن النية شرط لكل عبادة، ومحلها القلب بالإجماع وعبادة المجنون والسكران ونحوها لا تصح ولا تقبل (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) [ سورة النساء/43].

ويتعبد المسلم لله ببذل مهجته والتضحية بنفسه وبمصالحه المادية العاجلة، ابتغاء مرضاة الله، كما في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

ويتعبد المسلم لله بمفارقة الأهل والوطن والضرب في الأرض: إما للحج والعمرة، وإما للهجرة إلى أرض يستطيع فيها المسلم إقامة دينه، وإما للجهاد في سبيل الله، وإما لطلب علم نافع، أو نحو ذلك، مما يبذل فيه المسلم – عادة – راحة بدنه وحر ماله(5). وسيأتي معنا – فيما بعد في جوانب التربية وميادينها – تفصيلات أوسع لهذا الشمول.


 


(1)
    
أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه، رقم (1874). 
(2)      أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الذكر، رقم (3375) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. 
(3)      سورة الأعراف: 23، وقد ورد على لسان آدم وزوجه بعد أن أكلا من الشجرة.
(4)      من أفضلها كتاب (الأذكار) للإمام النووي، و(الكلم الطيب) لشيخ الإسلام ابن تيمية و (الوابل الصيب) للإمام ابن القيم.
(5)      العبادة في الإسلام ص 72-75.

 



بحث عن بحث