الأهداف العامة للتربية في السنة

 

إن الهدف العام للتربية في السنة النبوية: هو إفراد الله وحده بالعبادة وعدم الإشراك به، إنه هدف الأهداف وغاية الغايات، ذلك أن العبادة:

1-  هي الغاية العظمى من خلق الناس، وحق الله عليهم، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [ الذاريات /56 ].

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك)(1).

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)(2).

2-  وهي عهد الله إلى بني آدم، قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ).[ سورة يس /60-61 ].

وعن سلمان رضي الله عنه قال: (لما خلق الله عز وجل آدم عليه السلام قال: واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي: تعبدني ولا تشرك بي شيئا، وأما التي لك: فما عملت من شيء جزيتك به، وأنا أغفر وأنا غفور رحيم، وأما التي بيني وبينك: منك المسألة والدعاء وعلي الإجابة والعطاء) (3).

3-  وهي مهمة الأنبياء جميعا، فإن المقصود الأعظم من بعثة النبيين، وإرسال المرسلين،وإنزال الكتب المقدسة، هو تذكير الناس بهذا العهد القديم، وإزالة ما تراكم على معدن الفطرة من غبار الغفلة أو الوثنية أو التقليد، ولا عجب أن يكون النداء الأول لكل رسول: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [ الأعراف /59 ]. بهذا دعا قومه: نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وكل رسول بعث إلى قوم مكذبين، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [ النحل /36 ].

(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ). [ الأنبياء /25 ].

ولما كانت رسالة الإسلام عامة لكل العالمين، كان نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [ البقرة /21-22 ].

4-  وهي أولى مهمات الدعاة في الدعوة إلى الله تعالى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً على اليمن قال: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله....)(4).

5-      وهي الوسيلة الأولى لتحصيل الجنة والفوز بمرضاة الله عز وجل، والبعد عن نار جهنم.

فعن أبي أيوب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (دلنى على عمل أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار. قال: (تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمك). فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تمسك بما أمر به دخل الجنة)(5).

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مات والله عنه راض).

قال أنس: وهو دين الله الذي جاءت به الرسل، وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث، واختلاف الأهواء(6).

ومن ثم كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته رضي الله عنهم إحسان العبادة وإخلاص الطاعة.

فعن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: (يا معاذ! والله إني لأحبك) فقال: (أوصيك يا معاذ، لا تدعَّن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)(7).

وإذا كانت العبادة هي الهدف العام للتربية في الإسلام عموما وفي السنة خصوصا، فإنها لا تنحصر في الصلاة والصيام والحج وما يلحق بها من التلاوة والذكر والدعاء والاستغفار، كما يتبادر إلى فهم كثير من المسلمين إذا دعوا إلى عبادة الله، وكما يحسب كثير من المتدينين أنهم إذا قاموا بهذه الشعائر فقد وفوا الإلهية حقها، وقاموا بواجب العبودية لله كاملاً.

إن هذه الشعار العظيمة والأركان الأساسية في بناء الإسلام – على منزلتها وأهميتها – إنما هي جزء من العبادة لله، وليست هي كل العبادة التي يريدها الله من عباده.

والحق أن دائرة العبادة التي خلق الله لها الإنسان، وجعلها غايته في الحياة ومهمته في الأرض، دائرة رحبة واسعة، إنها تشمل كيان الإنسان كله وتستوعب حياته جميعاً.


 

(1)    أخرجه الترمذي، أبواب صفة القيامة، باب أحاديث ابتلينا بالضراء، ومن كانت الآخرة همه، رقم (2466) وقال: حديث حسن غريب، وأخرجه أحمد (16/8681)، وابن حبان في صحيحه (2477 موارد)، والحاكم في مستدركه (2/443) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/1910) والسلسة الصحيحة (3/1359).

(2)    أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التوحيد، رقم (6938)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، رقم (30).

(3)    أخرجه أحمد في " الزهد ص 47 "، وإسناده صحيح، رجاله ثقات روى لهم السنة إلا أنه موقوف على سلمان ولكن مثل هذا لا يقال بمجرد الرأي فهو في حكم المرفوع، وذكره الهيثمي في المجمع (1/51) عن سلمان مرفوعا، وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده: حميد بن الربيع وثقة غير واحد، لكنه مدلس وفيه ضعف.

(4)    أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، رقم (1458)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (123).

(5)    أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة... رقم (106).

(6)    أخرجه ابن ماجه، المقدمة، باب في الإيمان، رقم (70) والحاكم في المستدرك (2/331) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، قلت: الإسناد ضعيف لأنه من رواية أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، وأحاديثه فيها اضطراب كثير.

(7)    أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، رقم (1522)، والنسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، رقم (1302)، والحاكم في المستدرك (1/273) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 369) رقم (751)، وأحمد في المسند (5/244).



بحث عن بحث